إيران، حيث تقود النساء طريقهن: حكاية (ميترا علي) سائقة التكسي ومقاومة القمع وسط تناقضات الواقع

نور سالم

في رحلتي إلى إيران، تلك الدولة التي لا يحتاج السوريون والعراقيون تأشيرة لدخولها، شعرت بدهشة لا تخلو من التناقضات. الشوارع نظيفة، الجبال مشجرة وخالية من الفوضى، لكن هذا النظام الظاهري يخفي تحت سطحه واقعًا سياسيًا وقمعًا اجتماعيًا يشبه ما تعانيه الدول التي تخضع لتأثير إيران كالعراق وسوريا ولبنان. حيث تعيش هذه البلدان في حالة من الدمار والخراب نتيجة التدخلات الإيرانية والنفوذ السياسي الذي عزز الأنظمة السلطوية، مخلّفاً شعوباً مرهقة تحت وطأة القمع والتدخلات العسكرية.

ما لفت انتباهي أكثر هو حضور النساء في الشوارع، حيث يعملن بحرفية وقيادة حرة على الرغم من السياسات التي تفرض عليهن قيودًا متزايدة. تعرفت في تلك الرحلة على ميترا علي، سائقة تكسي تجسد روح المقاومة النسوية في قلب هذا المجتمع المعقد. كان قد أوصانا سائق آخر بركوب سيارتها لخبرتها، ولم تخيب الظن. قادت ميترا السيارة لمدّة ١٥ ساعة تقريبًا، مستمتعة بكل لحظة. بالنسبة لها، لم تكن هذه المهنة مجرد وسيلة لكسب العيش، بل مصدرًا للمتعة والحرية، بعيدًا عن سياسات القمع التي تطوق النساء.

في حديثنا الطويل، شاركت ميترا رأيها حول ما يجري في بلدها: “أكره سياسة إيران الخارجية، وأرفض بشدة تدخلاتها في دول الجوار”، قالت بحزم. عبّرت عن رفضها لقمع النساء وفرض الحجاب، مشيرة إلى أن القيادة والعمل هما طريقتها في مقاومة هذه الأنظمة التي تسعى إلى كبح حرية النساء وتقويض حقوقهن. كم هي مشابهة لمعاناة النساء في العراق وسوريا ولبنان، اللواتي يجدن أنفسهن عالقات بين سندان القمع المحلي ومطرقة التدخلات الخارجية.

ما تعيشه هذه المجتمعات الموالية لإيران هو انعكاس لسياسة الهيمنة والسيطرة التي تعزز الأنظمة القمعية، وفي كل مرة تُقيد فيها النساء، تصدح أصواتهن في مختلف الميادين. النساء العاملات في إيران، مثل ميترا، يقفن رمزًا للمقاومة الصامتة، التي تتحدى السلطة بشكل يومي. هنا تأتي أهمية الخطاب النسوي، الذي يربط بين التحرر من القمع الداخلي ومواجهة الأنظمة الديكتاتورية التي ترسّخ قمع الشعوب وحقوق النساء.

هذه الرحلة لم تكن مجرد تنقل جغرافي، بل كانت استكشافًا للتناقضات في مجتمع يحاول أن يظهر بوجه متقدم، لكنه يختبئ وراءه تاريخ من التدخلات التي دمّرت شعوبًا بأكملها. ومع ذلك، تقود النساء مثل ميترا علي طريقهن، رافضات أن يكنّ ضحايا للنظام السياسي الذكوري الذي لا يعترف بحقوقهن.

ما يزال صوت ميترا يتردد في ذاكرتي: “نعم، نحن نقود الآن، لكننا نحلم بيوم نكون فيه أحرارًا بالكامل، بلا قيود خارجية أو داخلية”. في النهاية، تحوّلت رحلتي إلى إيران إلى درس في أهمية التضامن النسوي ومقاومة الهيمنة السياسية بكافة أشكالها، في بلد تتعايش فيه الحرية مع القمع في كل زاوية من زوايا الشارع.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.