أقدمت القوات الميليشية التابعة لأحزاب السلطة والحكومة المركزية الموجودة في مدينة كركوك، على الرمي بالرصاص الحي على متظاهرين من سكان محلة رحيم آوا ذات الاغلبية الناطقة بالكردية، والذين كانوا يتظاهرون للتعبير عن استيائهم على قطع الطريق الرئيسي بين كركوك وأربيل وما تبعه من مصاعب اقتصادية ومعيشية يومية للمواطنين.
لقد اسفر هذا العمل الاجرامي عن مقتل أربعة متظاهرين ووقوع خمسة عشر جريحا وذلك يوم الثاني من أيلول 2023. هذا، وقامت نفس تلك القوات بشن حملة اعتقالات في محلة رحيم آوا.
جرت هذه الاحداث الدامية على خلفية قيام مجموعات مدعومة من قبل القوى الميليشية التابعة لأحزاب السلطة وبمشاركة أعضاء من قوى سياسية مثل “الجبهة التركمانية” و”التحالف العربي” الناشطة في المدينة، ومنذ اكثر من أسبوع من وقوع الحادث، بنصب الخيم امام المقر السابق للحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي تشغله ميليشيات الحشد الشعبي حاليا وذلك لمنع إعادته الى هذا الحزب.
لقد دفعت هذه الاحداث الى ظهور مجدد لمشاعر القلق والخوف من تفاقم الازمة وتصاعد النعرات والاصطدامات القومية فيما بين السكان الناطقين بالكردية والعربية والتركمانية، وذلك على أرضية تاريخ مرير من الظلم القومي، والتهجير التعسفي، واحداث دامية وصراعات قومية شهدتها المدينة عبر عقود من الزمن.
لقد باتت المدينة وبالأخص منذ 2003 مسرحا للصراعات بين مختلف القوى البرجوازية القومية الكردية والعربية والتركمانية، وبالأخص الأحزاب والقوى الميليشية المسلحة الكردية والعربية، لتمرير اجندتهم السياسية وبسط سيطرتهم على المدينة مستغلين الأوهام القومية مع ما تبع ذلك من ممارسة اعمال قمع وعنف وجرائم بحق السكان وبدرجات متباينة من الشدة.
ان دوافع منع اعادة المقر المذكور، وبمعزل عن الأهداف السياسية الرجعية للحزب الديمقراطي الكوردستاني في المدينة، ليست منحصرة بحسابات الربح والخسارة، بالنسبة للأحزاب الميليشية الحاكمة في العراق وشركائهم في هذا السيناريو، في انتخابات مجالس المحافظات المرتقب اجراءها. على العكس من ذلك، ان هذا العمل وتأزيم الوضع بهذا الشكل، لم يجر بصورة منفصلة عن استراتيجية اشمل وعن مجريات الصراعات بين مختلف الأحزاب الإسلامية والقومية المتحكمة بمصير البلاد، ولا بمعزل عن سياسات واستراتيجيات امتداداتهم الإقليمية والدولية تجاه العراق.
يمر العراق اليوم بأحد اشد فترات الازمات الاجتماعية والسياسية والصراعات الجيوسياسية التي شهدها خلال العقدين الماضيين، حيث تتوالى الاحداث والازمات فيه بشكل متسارع ومتعدد الابعاد. لقد بات ميزان القوى بين مختلف القوى البرجوازية الإسلامية والقومية الحاكمة واجنحتها المختلفة يتسم بعدم الثبات، وذلك في خضم ازمتها العميقة والمتمثلة بفقدان ثقة الجماهير بحكم هذه القوى ونظامها السياسي القومي والاسلامي المحاصصاتي الفاسد في عموم العراق ، وعجزها التام عن تقديم أي افق اقتصادي وسياسي لحل معضلات الجماهير الاقتصادية والفقر والبطالة ونقص الخدمات والكوارث البيئية وغيرها من مآسي الجماهير.
كما وان كل ذلك يجري وسط تزايد كبير في تدخل القوى الإقليمية في العراق وإقليم كوردستان، بالأخص من قبل نظامي ايران وتركيا، في ظل الفراغ الذي احدثه التغيير في ميزان القوى الاقليمي لصالح هاتين الدولتين. في خضم هذه الأوضاع المتأزمة والمتقلبة فان استمرار الإسلام السياسي الشيعي بتحكمه بزمام أمور الدولة وثروات البلاد، يمثل المحور الرئيسي في ترسيم المسار السياسي للبلاد في الوقت الحالي.
انما يجرى في كركوك ليس معزولا عن هذا الدور المتصاعد لقوى الاسلام السياسي الشيعي وميليشياتهم الموالية للنظام الإيراني، وقمعها وتحكمها بمسار الوضع في العراق وخلق مختلف الازمات وفق متطلبات مصالحها. ان القمع الدموي لتظاهرات كركوك واثارة النعرات القومية ومحاولة اشعال فتيل الحرب القومية في المدينة، ليس سوى استمرار لهذه الممارسات واستراتيجيتهم في الحكم.
ان الأساس في حل المسالة القومية لمدينة كركوك هو تولي جماهير المدينة المنظمة في مجالسها حكم المدينة بأيديها على أساس التضامن والعيش بسلام بين مختلف القوميات والطوائف والأديان بدون أي تمييز. إن النضال المتواصل من اجل تحقيق مصالح جماهير العمال والشغيلة والمضطهدين على أساس طبقي مستقل بمعزل عن أي انتماء قومي او ديني او طائفي يشكل ليس فقط مهمة أساسية للشيوعيين الثوريين والبروليتاريا الاشتراكية على صعيد البلاد، انما كذلك يشكل الأساس والضامن الأكيد لتحقيق الأمان والسلم في مدينة كركوك وتحقيق الإرادة السياسية للجماهير.
اليوم، في خضم هذا الوضع المتأزم ومع تصاعد غضب جماهيري واسع ضد مرتكبي جريمة رحيم آوا، من واجب أي شخص تحرري ومحب للإنسانية على صعيد المجتمع و في مدينة كركوك تحديدا، ان يساعد على عدم الانجرار وراء الاحاسيس القومية وذهنية الثأر من افراد القوميات الأخرى.
ان منظمة البديل الشيوعي في العراق تواسي عوائل ضحايا هذه الجريمة. وفي الوقت ذاته تدين بشدة التصعيد السياسي المتعمد من قبل القوى الميليشية للإسلام السياسي الشيعي واقدامها على جريمة قتل وجرح المتظاهرين، وتحمل الحكومة المركزية مسؤولية تحويل مرتكبي الجريمة الى المحاكم.
هذا، وان المنظمة تناضل من اجل ان تكون حكم وادارة مدينة كركوك عبر مجالس جماهيرية ثورية تكون مستقلة عن الحكومة المركزية وحكومة الإقليم.