نادر عبدالحميد
يشكل الإسلام السياسي كجبهة سياسية رجعية في إقليم كردستان العراق، احد العوائق أمام التقدم الحضاري والتحول الثوري للمجتمع، وذلك من خلال تحالفه مع أحزاب الحركة القومية الكوردية الحاكمة أو المعارضة في برلمان كوردستان.
شاركت أحزاب تيار الإسلام السياسي مع أحزاب تيار الحركة القومية الكوردية في معظم الحكومات المتعاقبة في الإقليم، على مدى العقدين الماضيين بعد سقوط نظام البعث (٢٠٠٣).
الأحزاب والمنظمات “الجماهيرية” للإسلام السياسي، تطيل بحياتها السياسية على هامش الإستبداد والرجعية السياسية للحركة القومية الكردية وحكومتها المحلية. ما لا يستطيع القوميون فرضه بشكل مباشر على المجتمع، وعلى العمال والأحرار والنساء، يتم فرضه من خلال الإسلام السياسي. هكذا، بتحالف الإسلاميين والقوميين، تكتمل السيادة الرجعية والمستبدة للطبقة البرجوازية الكوردية علی رقاب العمال والكادحين والأحرار من النساء المضطهدات والشبيبة الثورية.
تيار الإسلام السياسي، رغم کونه قوة واقعية منظمة ورجعية خطيرة، إلا أنه بعيد كل البعد أن تفسح له الطبقة البرجوازية الكردية والمجتمع في كوردستان، فرصة كي يصبح حركة حاكمة، ليس هذا فحسب، بل وبعيد عن ان يمنحانه الفرصة كي يلعب دور المعارضة الرئيسية بوجه القوميين في السلطة، كما رأينا خلال موجات الانتفاضات في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العقد الماضي. معارضة أحزاب الإسلام السياسي في كردستان العراق كانت دوما ذيلية ومكملة لمعارضة الأحزاب القومية الكردية.
مانراه الآن الآن من قدرة لدى الإسلام السياسي على جذب قطاعات من الشباب إلى المساجد، وتنظيم المسرحيات في توزيع الحجاب الإسلامي على الفتيات، يرجع في المقام الأول إلى الوضع الفكري والسياسي المتشائم الذي نشأ في السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة عدم تمكن الاحتجاجات الاجتماعية، من ممارسة الضغط الكافي والفعال على الحكومة، کونها إحتجاجات مهنية مبعثرة، وغير موحدة لشرائح معينة من العمال والموظفين والكادحين وفئة الخريجيين العاطلين من الشباب والشابات بعد التخرج من الجامعات والمعاهد.
بعد أن ارتقت هذە الاحتجاجات المهنية المبعثرة إلی حركة سياسية جماهيرية موحدة، بقت عفوية ودون افق واجندة سياسية ثورية وواضحة، خاصة في السنوات السبعة الماضية بعد اوکتوبر (٢٠١٥)، إذ لم تمر سنة دون ان يشهد الإقليم موجات من المظاهرات الجماهيرية الضخمة، تستهدف التخلص من سلطة الحزبين الحاكمين. لكن، وكعادتها، قامت الأجهزة الأمنية والميليشية التابعة للحزبين وحكومتهما بسفك دماء المتظاهرين في كل مرة، وإعتقال القادة الميدانيين ومطاردة النشطاء.
الآن، وبعد إخفاق الحراك الجماهيري الثوري في كوردستان، بدا واضحا للجماهير الكادحة والتواقة للحرية، كون تحقيق مطالبهم العادلة والوقوف في وجه إجحاف هذا النظام، ناهيك عن الخلاص منه أو الإطاحة به، لن يكون ممكنا في ظل ميزان القوى الحالي بينهم وبين النظام، وبذلك فقدت الجماهير، ولو مؤقتًا، الثقة في قدرتها على إحداث تغيير في النظام وفي الوضع البائس الذي تعيش فيه. هكذا سيطرت حالة من اليأس علی الوضع السياسي، مما ادی من جانب إلی حدوث هجرة جماعية إلى خارج البلاد خاصة بعد (٢٠١٩)، ومن جانب آخر خلق هذا اليأس السياسي مناخًا فكريًا ونفسيًا كي تستنشط التيارات الإسلامية المختلفة وأحزابها لزج الشباب في المساجد، وتشجيع الفتيات بارتداء الحجاب.
من هنا نستنتج بأن محاولة استنهاض الحركة الجماهيرية للكادحين في كوردستان، تنظيمها وقيادتها بأفق اشتراكي ثوري أممي، وتوحيدها مع حركة العمال والكادحين في عموم العراق، كي تنهي الهيمنة الفكرية والسياسية للحركة القومية الكردية وتحد من تطاولات أحزاب السلطة وحكومتها علی الحقوق والحریات في هذا الإقليم، ستكون هي الضربة الأقوى للإسلام السياسي، وستكون أيضا بمثابة وضع الحجر الأساس في العمل السياسي الشيوعي لتغيير موازين القوی لصالح العمال والكادحين وتحويلهم إلى طبقة مناضلة لذاتها، نحو الخلاص من سلطة البرجوازية ونظامها الإجتماعي والاقتصادي النيو الليبرالي.
آب ٢٠٢٢