إنهاء نظام الثورة المضادة وبرلمانه، مرهون بتطور النضال الجماهيري الثوري

في مسرحية مفضوحة للقوى والأحزاب البرجوازية الإسلامية والقومية الحاكمة في العراق، عقد برلمان هذه القوى جلسة استثنائية يوم الثالث والعشرين من الشهر الجاري، ووافق على النواب البدلاء عن نواب كتلة تيار الصدر الذين سبق وان استقالوا من البرلمان خلال هذا الشهر لأهداف خاصة بهذا التيار.

ان ازمة النظام السياسي الحالي لقوى الثورة المضادة المتسلطة على رقاب الجماهير، بدأت تتفاقم مع اشتداد صراع هذه القوى على تشكيل الحكومة وتقسيم حصص السلطة والثروة بينهم، وفق مصالحهم والمصالح الجيو سياسية لهذه القوة الدولية والإقليمية او تلك، وبالأخص أمريكا وايران. 

ان مشاهد الصراعات على “حكومة الأغلبية” و”الحكومة التوافقية” والتجاذبات بين تلك القوى بصددها في غضون اكثر من ثمانية اشهر، وبالتالي نشوء حالة ما يسمى بـ“الانسداد السياسي” خلال هذه الفترة، كل هذا شكل عملية صراع متوقعة مسبقا لنتائج انتخابات مبكرة بائسة، قاطعها معظم الناخبين والتي كانت قد استهدفت أساسا اكمال عملية القمع الدموي لانتفاضة أكتوبر 2019 بطريقة سياسية ناعمة ومحاولة الاجهاز عليها.  

ان استقالة النواب البرلمانيين الثلاث والسبعين لكتلة الصدر يوم الثاني عشر من حزيران الحالي، وتأكيد مقتدى الصدر على الانسحاب من الانتخابات المقبلة والعملية السياسية،  دليل آخر على عمق الازمة التي تعيشها قوى النظام والتيار الصدري نفسه. 

المعنى السياسي العملي لهذا الهروب الجماعي للتيار الصدري من حلبة الصراع  البرلماني على تشكيل الحكومة، هو هزيمة لهذا التيار، كتيار سياسي حكومي، امام خصومه من تيارات الإسلام السياسي الشيعي المجتمعين في “الاطار التنسيقي”، فلا يمكن توصيفه بأكثر من ذلك؛ اذ ان هذه الهزيمة هي أساسا فشل لهذا التيار في تحقيق استراتيجيته فيما يخص حكم البلاد من خلال إرساء “حكومة الأغلبية” التي طالما طبل وروج لها، خداعا، بانها ستكون نمطا آخرا من الحكم، “لا شرقية ولا غربية “، خالية من “الفساد “واللصوصية و”التبعية” لهذه الدولة او تلك والتي اتسمت بها الحكومات السابقة. 

غير ان خروج التيار الصدري من البرلمان وحتى العملية السياسية الحالية، وبمعزل عما يربحه او يتضرر من جرائه، لا يغير من واقع  كون التيار الصدري لا يزال يشكل احد مكونات تيارات الإسلام السياسي الشيعي الرئيسية في العراق، ويخيم ظله على طيف الإسلام السياسي الشيعي بمجمله وبالتالي يظل يلعب دورا لاستقرار هذا الطيف واستمرار تسلطه على رقاب الجماهير. 

وفي المقابل، ما يربط التيار الصدري بالجماهير المستاءة والانتفاضة والمد الثوري الجماهيري المقبل، هو ممارسة دوره الرجعي القامع والمضاد للجماهير والثورة والانتفاضة. فهذا الدور والعلاقة العدائية هي التي تحدد ماهية تحرك التيار الصدري الأخير ومناوراته السياسية للعب دور المعارضة، وذلك بهدف شل الطاقات الثورية للجماهير والحفاظ على قاعدته الاجتماعية التي اهتزت بشدة اثر انتفاضة أكتوبر . 

من المحتمل وقوع مختلف السيناريوهات نتيجة تفاقم ازمة النظام، وردود القوى البرجوازية الإسلامية والقومية، وتدخلات القوى والأقطاب الإقليمية والدولية تجاه الانسداد السياسي الحالي. ولكن ما هو مؤكد هو ان البرجوازية الحاكمة لا تتخلى عن سلطة الدولة بمحض ارادتها ومهما كانت ازمة حكمها شديدة اذ يجب ان تقوم الجماهير الثورية بإنهاء حكمها وأخذ زمام  أمور البلاد بأيديها.

وعليه ان من باستطاعته ان يقلب الطاولة على هذه القوى المتلاعبة بمصير المجتمع هي الجماهير الثورية، اذ انه من الجلي للعيان ان “الانسداد السياسي” الحالي ما هو سوى انعكاس لشبح المد الثوري على هذه القوى، المد الذي بات تنمو عناصره باستمرار في خضم الازمة الاجتماعية العميقة والواسعة التي تسحق باستمرار معيشة ومستقبل قطاعات متزايدة من الجماهير. 

ان مظاهر هذه الازمة الاجتماعية باتت واضحة للجميع، اذ تعاني الجماهير اشد المعاناة الاقتصادية والاجتماعية جراء البطالة الهائلة والفقر والمرض وغلاء المعيشة وارتفاع أسعار الوقود، وانعدام الاسكان الاجتماعي وتدهور النظام الصحي والتعليمي العام، وتفاقم ازمة تجهيز الكهرباء والمياه الصالحة للشرب. هذا بالإضافة الى تزايد مديات قمع المرأة وسحق انسانيتها، ومنع التنظيم النقابي للعمال واتخاذ إجراءات تعسفية بحق ناشطي العمال، وخنق الحريات والحقوق المدنية والسياسية للمواطنين وبالأخص الشبيبة، ومع استمرار قمع المنتفضين والمحتجين، واستمرار التغييب والاعتقالات والاختطافات والاغتيالات، وبقاء مئات الآلاف من النازحين في المخيمات في أوضاع كارثية وغيرها من الماسي والانتهاكات.

ان الاحتجاجات والتظاهرات والإضرابات مستمرة في مواجهة  تلك الأوضاع في عموم العراق، غير ان ما يقف امام تطورها هو عدم تنظيمها في عمل نضالي منظم على صعيد البلاد، ضمن نقاباتها وجمعياتها ومنظماتها الجماهيرية المدافعة عن أهدافهم ومطالبهم. ان شرط انتفاضة مقبلة منتصرة هو الوجود المسبق لهذه الهياكل التنظيمية  للاحتجاج الاجتماعي وتقويتها بحيث يضفي طابعها المنظم على العمل السياسي الثوري للملايين من الجماهير في  العراق.  

ان انجاز الثورة الاجتماعية للطبقة العاملة، وإرساء نظام اشتراكي على انقاض النظام الرأسمالي النيو ليبرالي في العراق، هو الحل الجذري لجميع مآسي الوضع الحالي، وبناء مجتمع تسوده الحرية والمساواة خال من الطبقات. ان الثروات الهائلة المتوفرة في المجتمع والواقع الموضوعي، ليس فقط ناضج لإنجاز هذه الثورة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، بل ان تحقيق  التقدم الاجتماعي، وتحرر الجماهير من قيود الأوضاع الحالية، وكذلك تحرير العراق والمنطقة من الحروب، ومآسي تحولها الى ميدان لحسم الصراعات الجيو سياسية والاستراتيجية للبرجوازية الامبريالية العالمية والاقطاب الإقليمية، مرهون بإنجاز هذه الثورة.

ان المد الثوري الجماهيري في العراق بحاجة الى ان يكون جزءا من تحقيق هذه الاستراتيجية الاشتراكية، وهذا غير ممكن انجازه بدون تنظيم الطبقة العاملة والشبيبة الاشتراكية والمرأة العاملة والمضطهدة في حركة سياسية اشتراكية مقتدرة بحيث تقود نضال الملايين من الكادحين والمحرومين والمفقرين والمضطهدين نحو تحقيق ارادتهم السياسية المستقلة و المنظمة في مجالسها الجماهيرية الثورية كي تأخذ سلطة الدولة بأيديها. 

ان منظمة البديل الشيوعي في العراق وسيلة نضالية بأيدي جماهير العمال والكادحين والمفقرين والمرأة والشبيبة الاشتراكية والجماهير الثورية والتحررية لإنجاز هذا التحول الاشتراكي الثوري العظيم. وتدعو المنظمة جميع المناضلين من اجل الاشتراكية لتوحيد صف  نضالهم ضمن صفوفها.  

منظمة البديل الشيوعي في العراق

26 حزيران 2022

عن Albadeel Alsheoi

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الانتخابات البرلمانية لحكومة إقليم كوردستان؛ إفلاس سياسي وتعزيز للرجعية

بيان منظمة البديل الشيوعي في العراق انطلقت، منذ عدة أيام، الحملة الانتخابية للدورة السادسة للانتخابات ...

في الذكرى السنوية الخامسة لانتفاضة أكتوبر 2019

شعار (كل السلطة للجماهير المنتفضة) مؤيد احمد تنويه للقراء الأعزاء؛ تاريخ الصورة المرفقة هو يوم ...

الغد الاشتراكي العدد ٤٢

   

حول إرهاب النظام الإسرائيلي في لبنان وبلدان المنطقة

بيان منظمة البديل الشيوعي في العراق يمر ما يقارب من عام كامل على حرب الإبادة ...

تعديل قانون الأحوال الشخصية 188! لماذا؟ الإسلام السياسي  والرعب من الثورة البروليتارية

مؤيد احمد منذ  فترة  وان تيارات وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي الحاكمة في العراق وتحديدا تلك ...