في اي بلد يثور او ينتفض شعبه، تستخدم السلطة شتى الوسائل والاليات من اجل خنق وانهاء هذه الثورة، ومن ابرز الوسائل المتبعة لتحقيق ذلك استخدام العنف والقمع والتسقيط، بالإضافة الى اللجوء لأسلوب توظيف قوى تعمل على تحويل مطالب الجماهير بالتغيير الجذري واسقاط النظام الى مجرد المطالبة بالإصلاحات الشكلية، وهذا بالطبع اكثر ما تتمناه السلطة خلال أزمتها المتفاقمة. وهو ما حصل في العراق بالضبط ابان انتفاضة اكتوبر التي انطلقت نهايات عام 2019، فبعد القمع والارهاب وحمامات الدم، انبرت قوى من داخل النظام وخارجه تطالب بانتخابات مبكرة واصلاحات وترقيعات، لم تكن ضمن امال الجماهير بإسقاط نظام تيارات الإسلاميين والقوميين، بل ضمن خطة ممنهجة للإجهاز على الانتفاضة عن طريق تفريغها من محتواها الثوري.
في مدينة الناصرية جنوب العراق والتي شكلت قلعة من قلاع الانتفاضة، وبعد المجازر المروعة التي ارتكبتها القوات الامنية وعمليات الخطف والتغييب والاعتقال التي قامت بها هذه القوات بالإضافة الى المليشيات، ظهر على الساحة اسم جديد؛ هو حركة “امتداد” بقيادة علاء الركابي، وكانت مطالب هذه الحركة تهدف بصورة اساسية الى تحويل مسار الانتفاضة من التغيير الجذري للنظام، الى الاشتراك في الانتخابات مع ذات القوى الناهبة والقاتلة والجلوس معهم تحت سقف واحد.
استطاع الركابي ومن على شاكلته من قوى الثورة المضادة من اقناع جزء من المنتفضين بخطابه هذا، بحجة ان لا بديل للمنتفضين الا بدخول العملية السياسية التي تسيطر عليها وتوجهها بالأصل قوى دينية طائفية قومية، عملت خلال ثمانية عشر عاما على افقار الناس ونهب ثرواتهم، وحجة الركابي كانت كما عبر عنها في مناسبات عديدة ان البديل لهذا النظام هي الفوضى، وكأننا نعيش في بلد آمن يعيش مواطنوه في رفاهية وطمأنينة، وتقوم الدولة فيه بواجباتها على اكمل وجه! وليس بلد تتحكم فيه المافيات والمليشيات والعصابات المدججة بالسلاح، والفوضى هي سيد الموقف منذ 2003 ولغاية اليوم.
ان التناقض الرئيسي في سياسة حركة امتداد وطروحاتها بات جليا للجميع، فهذه السياسة ترى ان الجلوس مع نظام سارق وقاتل يعتمد الاساليب الفاشية في مواجهة المعارضين والجماهير المنتفضة ومدعوم من قوى اقليمية ودولية من اجل تنفيذ اجنداتها السياسية والاقتصادية، هو الحل لقضايا الناس! فيما تدعي الحركة في ذات الوقت انها تمثل المنتفضين الذين خرجوا ابان انتفاضة اكتوبر من اجل ازاحة هذا النظام! وبالتأكيد فأن هذا التناقض والضبابية في الموقف قد تبدد وصار واضحا عند مشاهدة قادة الحركة وهم يجلسون ويتحالفون مع قوى النظام وميليشياته التي كانت تقتل وتختطف المنتفضين ابان الانتفاضة.
يشكل ترميم صورة النظام واعادة انتاجه مرة اخرى، مهمة جوهرية في عمل القوى الداخلية والخارجية التي ترعى وتشكل المنظومة السياسية الحالية، خصوصا بعد الازمات الخانقة التي وضعتهم فيها الانتفاضة، وعلاء الركابي وغيره من الاصلاحيين خير من يقوم بهذه المهمة. ولا تقتصر المهمة بالتأكيد على حركة امتداد التي يقودها الركابي فحسب، فحركة الجيل الجديد في كوردستان، والتيار الصدري في الوسط والجنوب وجهات اخرى اقل نفوذا وعددا داخل مجلس النواب، جميعهم يطرحون انفسهم كجزء من الانتفاضة، بينما هم في حقيقتهم الممثل الصريح لقوى الثورة المضادة، التي تعمل على الحفاظ على النظام الملطخ ايديه بدماء المنتفضين.
ان ما تقوم به حركة امتداد خلال هذه الفترة، خصوصا في مدينة الناصرية يعبر بشكل واضح عن حقيقة هذه الحركة، فمع كل تظاهرة او احتجاج، ينزل اتباع الحركة ليعيقوا ويفرقوا المنتفضين، ويمنعوهم من تطوير حركتهم وبعث الحياة فيها من جديد، وهذا الدور هو الذي جاءت من اجله امتداد، خصوصا وانها اصبحت جزءا من النظام السياسي؛ وهم بالتأكيد ليسوا مع انهاءه او تغييره.
ان مواجهة قوى الثورة المضادة من شتى الصنوف عن طريق فضحها وتعريتها، تشكل اولوية ملحة لدى المنتفضين في الناصرية وجميع المدن في هذه المرحلة الحرجة، فالمعركة مع هؤلاء اكثر تعقيدا من مواجهة الاعداء التقليدين للجماهير من القوى الطائفية المليشياتية والقوى القومية، فهؤلاء يتحدثون باسم الانتفاضة بينما هم قوى مضادة لها واحد اهم اسباب تراجعها واخفاقها.
منظمة البديل الشيوعي في العراق
18- 5- 2022