مؤيد احمد:
حوارجريدة “الغد الاشتراكي” مع مؤيد أحمد، المنسق العام
للجنة المركزية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق، اجراه عبداللـه صالح
سؤال: اعلنتم، انت وبعض من رفاقك، عن تشكيل (منظمة البديل الشيوعي في العراق ) في 25 تموز 2018 من خلال البيان التاسيسي وبعدها، وخلال اقل من شهرين، جرى عقد المؤتمر الاول لهذه المنظمة في الفترة ما بين 17-19 من شهر ايلول الحالي. حسب البيان، جاء تاسيس هذه المنظمة كضرورة ملحة لقيادة نضال العمال الطبقي ضد البرجوازية في وقت يمر فيه المجتمع بأزمة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية خانقة انعكس تأثيرها على الطبقة العاملة والجماهير في العراق. هل تشكيل هذه المنظمة جاء كرد لضرورات هذه المرحلة، ولتلك الظروف التي يمر بها العراق بشكل خاص والمنطقة والعالم بشكل عام بعد أن فشل اليسار والأحزاب التي تدعي تبنييها للشيوعية كمنهج من تحقيقه ، أم هناك أسباب أخرى عدى ذلك؟
مؤيد احمد: اذا نظرنا الى تأسيس منظمة البديل الشيوعي في العراق(البديل) وعقد مؤتمره الاول، من خارج الاطار التنظيمي الصرف، فان تاسيسه مثله مثل جميع الاحزاب والمنظمات الشيوعية في المجتمعات المعاصرة جزء من وقائع المجتمع وما يجري فيه من صراعات سياسية وفكرية، مع آخذ ذلك بنظر الاعتبار، فان تأسيس هذه المنظمة لم يات من فراغ ولم يكن عملا تنظيميا بحتا او تحولا منعزلا خارج مسار تاريخ الحركة الشيوعية في العراق. على العكس من ذلك، فان تأسيس منظمة البديل الشيوعي في العراق وعقد مؤتمره الاول، عمل سياسي – تنظيمي وتحول معين ومحدد داخل الحركة الشيوعية في العراق ومسار تطورات هذه الحركة المرتبطة من حيث الاساس بشكل مباشر باوضاع المجتمع وتوازن القوى الطبقية فيه.
باختصار، مهما كانت نقطة انطلاقنا ومهما كان الشكل التنظيمي الشيوعي الذي بنيناه ننتهي بالمجتمع وبقضاياه وبحياة الجماهير ومصيرها ومقياس نجاحنا وتطورنا يقاس بمدى التاثير على العالم الخارجي والمجتمع الذي نعيش فيه.
على اية حال، نظرة بسيطة على واقع الحركة الشيوعية في العراق وواقع المآسي التي تعاني منها اكثرية الجماهير، تبين لنا مدى ضرورة المبادرة والعمل الجاد للارتقاء بدورالحركة الشيوعية لايجاد التغيير الثوري في المجتمع وفي شتى نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها. بمعزل عن نقدنا للاحزاب والتنظيمات التي تحمل اسم الشيوعية والاشتراكية لفظا وتوصيفنا لها كاحزاب وتنظيمات غير عمالية وغير شيوعية ثورية، فان واقع الحركة الشيوعية في العراق عموما محل نقد جدي من قبل اي شيوعي ثوري يبحث عن بديل شيوعي حقا لما هو قائم.
ان الحركة الشيوعية في العراق والتيارات التي تعمل باسم الشيوعية والاشتراكية المتعددة واحزابها ومنظماتها وحلقاتها وبوضعها الحالي لم تستطع ان تتحول الى قوة سياسية مؤثرة منظمة ومقدامة ومنخرطة فعلا في نضالات الطبقة العاملة والجماهير الكادحة الجارية في المجتمع. هذا، ولم تستطع، شاءت أم أبت، ان تلعب الدور في تقوية هذه النضالات وتحولها الى حركة سياسية قوية ومؤثرة لانهاء المآسي التي عانت ولا تزال تعاني منها الجماهير ولانهاء الوضع الراهن المزري للمجتمع وتغيره لصالح العمال والكادحين والمحرومين وقضية التحرر والتقدم الاجتماعي وتحقيق الاشتراكية.
ان اقدامنا على تأسيس منظمة البديل الشيوعي في العراق يعود اساسا الى اعتقادنا بان ضرورة البديل الشيوعي كحركة اجتماعية وكتيار سياسي وفكري امر مطروح وكضرورة على صعيد المجتمع قبل ان يكون امرا نطرحه نحن من خلال منظمة البديل الشيوعي في العراق. ان جماهير الطبقة العاملة المضطهدة والمحرومة بحاجة الى بديل شيوعي، الى وسيلة تنظيمية شيوعية تقوم من خلالها بتنظيم نضالها وتقويته، بحاجة الى تنظيم وحزب شيوعي اجتماعي مؤثر ومقتدر يرفع بنفسه الى مستوى المهمة الملقاة تاريخيا علي عاتقه في هذا العهد التاريخي وهذه المرحلة.
ان تأسيس منظمة البديل الشيوعي في العراق، قبل ان يكون عملا تنظيميا، هو تجسيد نقد سياسي وفكري خاص، من موقع العامل والكادح والمفقّرين، بوجه اوضاع المجتمع الحالية ونقد سياسي وفكري لاوضاع الحركة الشيوعية في العراق. ان احد اركان مهام هذه المنظمة هو تجسيد هذا النقد نظريا وسياسيا وبشكل عملي للرد على معضلات المجتمع ولتطوير الحركة العمالية ونضالات الطبقة العاملة السياسية والاقتصادية والفكرية، وهذا يعني ضمن ما يعني، ايجاد وتقوية وتطوير تيار شيوعي ماركسي اجتماعي واسع داخل المجتمع كي يكون احدى القوى الرئيسة في معادلات القوى بوجه التيارات البرجوازية الاسلامية والقومية والليبرالية واحزابها وسلطاتها .
ان البرجوازية بمختلف تلاوينها وتياراتها السياسية والفكرية وبمختلف احزابها وقواها تقول لنا ليل نهار بانهم يخدمون الجماهير، كما ويقولون بان اعمالهم وممارسة سلطاتهم هي من اجل تحسين حياة ومعيشة الجماهير وتطويرها واصلاح الوضع ومقاومة الفساد والقضاء على الارهاب وتوفير الامان وغيرها من الادعاءات. هذا، في حين ان تجربة الحياة في ظل هذه القوى والتيارات تبين لاكثرية الجماهير بان وجود هذه القوى والتيارات وتحكمها بمصير هذه الاكثرية هي اسباب المآسي التي تعاني منها الجماهير لا مصلحيها دع جانبا منقذيها.
وهكذا، فان تطور التيار الشيوعي اي التيار الماركسي الى حركة سياسية واجتماعية قوية في المجتمع، هو الرد والنقيض المباشر لكل الوضع القائم وتحكم القوى البرجوازية بحياة ومصير الانسان في البلاد. المؤكد هو ان تيارا او حزبا سياسيا كهذا لا يمكنه ان يكون امتدادا او اصلاحا او اضافة لما هو موجود في المحيط البرجوازي السائد، انما نفيا لهذا المحيط وتجسيدا لشيئ آخر مكانه. لذا، ان حزبا وتيارا شيوعيا حقا يجب ان يكون الرد الشيوعي الثوري والبديل لما هو قائم، ان يكون بديلا اشتراكيا وحركة لدك الاسس المادية الاقتصادية والاجتماعية، ودك البنيان السياسي والايديولوجي القائم، التي تخلق المآسي للجماهير باستمرارعلى نطاق اوسع على الدوام.
سؤال: تدعي بعض الاوساط البرجوازية وحتى قسم من اليسار بان تاسيس منظمة البديل الشيوعي في العراق جزء من تدهور نمط عمل الاحزاب الشيوعية التقليدية عموما، ويقولون كذلك بان هذه المبادرة رد على معضلات الحزب الشيوعي العمالي العراقي بشكل خاص ولا علاقة له بالمجتمع. ما هو تعليقك ؟
مؤيد احمد: لم يكن هناك يوما حدثا من هذا النوع داخل الحركة الشيوعية لم تستغله البرجوازية بالضد من الحركة الشيوعية والقيم والمبادئ الشيوعية. تسعى البرجوازية عبثا على الدوام ان تشوه سمعة كل ما هو متعلق بالقيم والاهداف الانسانية التحررية وكل مسعى تنظيمي او حزبي وكل محاولة في ميدان السياسة والفكر والادب والفن يحمل هذه القيم والاهداف. ان اقساما من اليسار والحركة الاشتراكية يقعون تحت تاثير هذه الهجمات التشهيرية المفضوحة للبرجوازية باستمرار. ليس لتلك الادعاءات اية اهمية ولكن علينا فضح الجوهر الطبقي البرجوازي والاهداف السياسية الرجعية التي تقف ورائها.
ان هذه المبادرة، على العكس من تلك التشهيرات، لحظة في مسار تطور الشيوعية الى الامام وليست تراجعا او انقطاعا عن هذه المسيرة، كما انها ليست نتيجة انسداد الطريق امام الافق السياسي التنظيمي، المعروف بالعمل الشيوعي في شكل الاحزاب والمنظمات، اي العمل الحزبي المنظم، او التدهور في العمل الشيوعي الحزبي، مثل ما يدعي هؤلاء الخصوم. هناك فرق كبير بين موقع حدث يظهر ضمن مسار حركة التاريخ، وبين حادث عرضي وصدفي على هذا المسار. ان نشوء منظمة البديل الشيوعي حدث، مهما كان شكله، وقع ضمن عملية ومسيرة سياسية حزبية شيوعية تصاعدية، وهو لحظة في تاريخ واقعي يجري امام اعيننا والمتجسد في ضرورة الرد على معضلات الحركة الشيوعية وتحدياتها. ما يحدد تطورها هو تطابقها مع هذه المسيرة والعملية والتاثير المتبادل عليها.
نحن على قناعة راسخة بان تاسيس حزب شيوعي بروليتاري واسع ومقتدر امر ممكن وبات ضرورة من ضرورات التطور الاجتماعي والسياسي التحرري في العراق، وان ايجاد تيار ماركسي قوي ومقتدر في قلب المجتمع وفي قلب البروليتاريا المعاصرة ونضالاتها امر بات في جدول اعمال تاريخ الصراع الطبقي في العراق. نحن جزء من هذا التاريخ ونبادر على ان نكون مقدامين في عملية بناء منظمة وحزب شيوعي يجمع طاقة ونضال جميع الناشطين والناشطات الشيوعيين في عموم العراق، حزب ينظم ويقود النضال الطبقي العمالي الاقتصادي والسياسي والفكري في نضال واحد لدك النظام الراسمالي المعاصر وبناء الاشتراكية.
ان الشكل المحدد الذي تم من خلاله انبثاق هذا البديل الشيوعي، منظمة البديل الشيوعي في العراق، وهذه المبادرة، ليس امرا حاسما، اذ ان تساؤلات مثل: من اين اتى هذا البديل؟ وكيف وصل الى هذه النقطة؟ لن ترد على ما هو مطلوب منه إنجازه، وذلك لان الامر الاهم بهذا الخصوص هو محتوى هذه المبادرة اي اجندتها وبرنامجها والممارسة السياسية وتكتيكاتها واسلوب وآليات العمل التي ستطبقها.
ان الاقدام على تشكيل منظمة البديل جاء بعد حدوث تطورات معينة داخل الحزب الشيوعي العمالي العراقي، فالتطرق الى تفاصيل هذا الموضع ليس امرا جوهريا لان منطلق هذه المبادرة هو تطور النضال الشيوعي والحركة الشيوعية الراهنة على صعيد المجتمع ككل وبالتالي رد سياسي -تنظيمي معين على معضلات وتحديات الحركة الشيوعية المعاصرة في العراق والمنطقة وليست مجرد معضلات الحزب الذي خرج منه قسما منا بالرغم من اهمية تناول هذا الموضع في فرصة اخرى.
سؤال: في ردك على سؤال سابق تقول “ان تأسيس منظمة البديل الشيوعي في العراق هو، قبل ان يكون عملا تنظيميا، تجسيد نقد سياسي وفكري خاص، من موقع العامل والكادح والمفقرين، بوجه اوضاع المجتمع الحالية، ونقد سياسي وفكري لاوضاع الحركة الشيوعية في العراق”. ما هوهذا النقد السياسي والفكري فيما يخص واقع المجتمع؟ وما هي الآليات الرئيسة للتطبيق العملي لهذا النقد ؟
مؤيد احمد: فيما يخص المجتمع، فان هذا النقد ليس الا طرح البديل السياسي والفكري الاشتراكي على صعيد المجتمع بوجه النظام الراسمالي والدولة البرجوازية الاسلامية والقومية الحاكمة، وليس الا تطبيق آليات واساليب العمل الشيوعي التي تضمن تقوية وتطوير نضالات العمال والكادحين وسائر المحرومين والمضطهدين الذين هم اصحاب المصلحة الفعيلة في تحقيق الاشتراكية.
المسالة المحورية هي طرح البديل الاشتراكي الاقتصادي بوجه العلاقات الراسمالية السائدة في العراق، على صعيد المجتمع، بحزم ووضوح تامَين، ليس هذا فحسب، بل رفع هذه الراية وهذا الافق ونشرهما داخل اوساط جماهير العمال والكادحين وسائر المحرومين والمضطهدين ونضالاتهم، وذلك بهدف تحولهما الى الافق السياسي والاجتماعي السائد على حركاتهم الجماهيرية الثورية وكي يتبناه النشطاء والقادة الفعليين في هذه الاوساط وهذه الحركات.
من المعلوم، انه لا يمكن تحقيق الاصلاح الجذري واجراء تحسين راسخ في حياة اكثرية الجماهير وتأمين الرفاهية بشكل مضمون وثابت ضمن سيادة العلاقات الراسمالية في العراق، لان ذلك امر خارج ديناميكة وقوانين حركة هذه الراسمالية المتازمة وقوانين عملية تراكم راس المال بشكله المشخص في العراق، وامر يتعارض كليا مع السياسات النيو ليبرالية الاقتصادية السائدة ونمط الاقتصادي النيوليبرالي المتبع من قبل البرجوازية العالمية والمحلية الراهنة. كما، ان الارهاب، حُكم تيارات الاسلام السياسي والقوميين والميلشيات، المحاصصة، الفساد، القمع، استعباد المراة، التميز العرقي والطائفي والعنصري، خنق حريات الشبيبة وتطلعاتها الى حياة مشرقة، الدكتاتورية، هي كلها اجزء وعناصر المتطلبات السياسية والاجتماعية والعسكرية لادامة النظام الراسمالي في العراق. تستهدف اكاذيب التيارات البرجوازية واحزابها الدينية والقومية والليبرالية بشكل خاص حجب هذه الحقائق وذر الرماد في عيون الجماهير بصددها.
بينت تجربة الانتفاضات والهَبات الثورية في مصر وتونس بوضوح تام من انه في حالة غياب سيادة الافق الاشتراكي على هذه الهبات الثورية والتوقف في منتصف الطريق، اي عدم التقدم الى الابعد من التغير الشكلي للسلطات، كما حدث في هذين البلدين، تؤدي عادة الى العودة، وبشكل ماساوي، الى المربع الأول، وبالتالي، فان طاقات جماهير البروليتاريا وسائر المحرومين النضالية الثورية تُخمد وتتحول مساعيها ونضالاتها، على هذا المنوال، الى وقود لترسيخ اقدام التيارات والاحزاب البرجوازية الاخرى وقوى الثورة المضادة البرجوازية حيث تاخذ زمام امور الحكم بايديها. وهكذا يظل مسلسل المآسي والمشقات بالنسبة لاكثرية الجماهير يستمر، باشكال اخرى، وبدون حدوث اي تغيير ايجابي يذكر في حياة الكادحين والمحرومين والبروليتاريا بشكل عام، وبدون تحقيق اي من مطالبها الاساسية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والخدمية وغيرها. هذا هو السيناريو الماساوي الذي نواجهه في الوضع الراهن كذلك ، وفي العراق على الاقل اذا بقت الامور على حالها داخل الحركة الشيوعية، وهذا سيكون الحال عندما تفشل القوى الشيوعية في ان تحوّل راية الاشتراكية والبديل الشيوعي الى الافق السياسي السائد داخل اوساط الحركات الثورية الجماهيرية والنهوض الثوري للبروليتاريا المعاصرة في اي بلد من البلدان.
ان الاحتجاجات والانتفاضات والتظاهرات الجماهيرية تحدث وتتكرر تقريبا في كل بلدان المنطقة حيث اصبحت احدى خصائص اوضاعها الراهنة، هذا عدى نضالات العمال الاقتصادية والسياسية المستمرة باشكال مختلفة. ان نقطة الضعف الرئيسية في الحركة العمالية هي تشتتها وتبعثر نضالاتها الاقتصادية والسياسية وعدم تبلور وحدتها في نضال طبقي عمالي واحد صوب دك اركان الراسمالية والنظام السياسي الحامي له. أما فيما يخص الهبات والاحتجاجات الجماهيرية التي يشكل العمال والفئات الاجتماعية البروليتارية المحرومة والمضطهدة عمودها الفقري في اكثرية الحالات في المجتمعات المعاصرة في المنطقة، فانها لم تتحول الى ثورة بالرغم من توفر عناصر ازمة ثورية شاملة. السبب في ذلك لا يعود الى كون تلك الهبات الجماهيرية لم تخلق الازمات للانظمة القائمة، حيث ان نموذجين منها اسقطت الانظمة كما حدث في مصر وتونس، بل لعدم تحولها الى سلطة جماهيرية ثورية تاخذ زمام الامور بايديها والاهم في ذلك تضع اجراء التحول الاقتصادي الاشتراكي في اجندة عملها المباشر وتحقق المطالب الاقتصادية والاجتماعية لجماهير البروليتاريا عن طريق هذا الاجراء الاشتراكي وبشكل فوري.
ان الازمة الثورية والظروف الثورية لا تؤدي الى الثورات وهذا ما اكد عليه لينين في كثير من المناسبات الا اذا توفر العامل الذاتي، اي الاستعداد السياسي والفكري للطبقة العاملة والجماهير البروليتارية للاقدام على ذلك. من هنا ياتي دور الحزب والتنظيم الشيوعي البروليتاري حيث ان رفع راية الاشتراكية وسيادة الافق الاشتراكي على الحركة العمالية والهبّات الجماهيرية الثورية للعمال والكادحين ليس عمل مكيكانيكي يحدث في يوم واحد، بل عملية معقدة شاملة تحدث بشكل حي وفي خضّم صراع الطبقات الاجتماعية واحزابها وممثليها وتياراتها. ان الشيوعية التي تتخلى عن خوض هذه المعركة الطبقية ليست بشيوعية، وان الشيوعية التي تتباهى بالالفاظ والشكليات والكلام الدعائي الصرف غير متعلقة بهذه المعركة الطبقية، دع جانبا من يحول الشيوعية الى محاولات ذهنية صرفة بدون صرف جهد للارتقاء بطاقة الطبقة العاملة السياسي والتنظمي في خضم صراعاتها ونضالاتها اليومية الاقتصادية.
لا يحصل الوضوح في الصراع الطبقي ولا تتحقق استقلالية الطبقة العاملة السياسي بوجه الطبقات الاخرى سوى في خضم النضال السياسي والاجتماعي والفكري الحي على البدائل الاقتصادية والاجتماعية للطبقات المختلفة المتصارعة وتحديدا بين الطبقة العاملة والبرجوازية، ولكن هذا لا يحصل بنفس الشكل في كلتا حالتي الظرف الثوري وغير الثوري. الحالة الاولى هي مرحلة تطوير الاستعداد السياسي والفكري والتنظيمي، والحالة الثانية هي خوض المعركة وتعبئة طاقة اكثرية الطبقة العاملة و الجماهير الكادحة للفوز بها. مع أخذ ذلك بعين الاعتبار، فان تبني الراية والافق الاشتراكي ليس مجرد تكرار شعار ولا امر متعلق بكسب الوعي حول ضرورة هذا البديل الاقتصادي، انما هو النضال وتوفير الوسائل النضالية والاشكال التنظيمية للفوز بهذه الحرب الطبقية المستمرة باشكال مختلفة.
لذا عندما نقول بان منظمة البديل هو تجسيد نقد سياسي وفكري خاص على صعيد المجتمع، نقصد بذلك طرح الاشتراكية كبديل وكحل لمعضلات ومآسي المجتمع، ليس هذا فحسب، بل ونؤكد على ان المحتوى السياسي والفكري لمنظمة البديل الشيوعي في العراق وعملها الحزبي وسياساتها واستراتيجتها وآليات عملها، وهذا ينطبق على كل تنظيم وتحزب شيوعي بروليتاري ثوري، ينبثق من اهداف هذه الثورة الاقتصادية ومتطلبات تطور النضال الطبقي العمالي الاشتراكي.
بالاضافة الى ذلك، فان تجسيد النقد الفكري والسياسي الشيوعي على صعيد المجتمع يتطلب، ضمن ما يتطلب، ان تكون السياسة والتكتيك السياسي بالنسبة للتنظيم الشيوعي الثوري وتحديدا بالنسبة لـ “منظمة البديل الشيوعي في العراق” مبنية على هذا الهدف الاجتماعي والاقتصادي الاشتراكي، وبالتالي ان تكون سياساتنا وتكتيكاتنا تقوي صف قوى هذا النضال الاشتراكي في المجتمع في كل لحظة وبشكل ثابت وراسخ وبدون الوساطة والحلقات المصطنعة، وان يكون تكتيكنا السياسي غير متعارض مع تقدم هذا النضال لا بل يساعد على تقدمه بشكل فعلي. ان من يضع التكتيك السياسي الاشتراكي على الرف هو في الحقيقة يحل محله بالتكتيك السياسي البرجوازي، والاخير نماذجه وفيرة، بحيث يستغرق وقتا طويلا لتعداده، بدأً من الانشغال بالاصلاحات والمساوات مع البرجوازية وصولاً الى تنفيذ مهام الجناح اليساري للبرجوازية القومية و”الوطنية” وغيرها.
ان ركن من اركان نقدنا الاشتراكي في ميدان السياسة والتكتيك السياسي هو كشف وفضح الحقيقة الطبقية البرجوازية للسياسات والتكتيكات التي تطرح باسم الاشتراكية ورسم الحدود الفكرية والسياسية الفاصلة معها، اصلاحية كانت او راديكالية لفظية، ذيلية كانت للحركات الشعبوية و”الوطنية” او متبنية لافاق الحركات القومية والطائفية، مدافعة كانت عن التخلف والرجعية والعشائرية واستعباد النساء او متبنية لتجسيد التمييز العرقي والعنصري وعلى اساس اللون والجيندر. جدير بالذكران كل تلك الاطروحات والسياسات التي تطرح باسم الاشتراكية من قبل بعض الأطراف، ما تسمى بالشيوعية والاشتراكية، يتم تبريرها بذرائع مثل خصوصية “بلادنا” وخصوصية “تقاليدنا” وغيرها.
ان آليات العمل والتنظيم الشيوعي التي تُتَرجم بالفعل وتُطبق مقولة ماركس بان “تحرير الطبقة العاملة هو من صنع الطبقة العاملة نفسها ” هي التي نتبناها في النضال التحرري الجماهيري للبروليتاريا المعاصرة في العراق. اية درجة من تنظيم البروليتاريا ومن ارتقاء وعيها الطبقي واية درجة من تطور نضالها الاقتصادي والنضال السياسي واية درجة من تحقيق اراداتها السياسية في المجالس واللجان العمالية والكادحين والتحررين في الانعطافات الثورية تشكل كلها عناصر اساسية من مهامنا.
سؤال: ما هو النقد السياسي والفكري الوارد في السؤال اعلاه فيما يخص الحركة الشيوعية؟ وما هي الآليات الرئيسة لتطبيق العملي لهذا النقد ؟.
مؤيد احمد: فيما يخص الحركة الشيوعية، فان النضال الحاسم ضد افكار وسياسات البرجوازية الاصلاحية المساومة والمساندة للسلطات والنظام السياسي الطائفي والقومي القائم، والتي تعمل تحت يافطة الشيوعية هو الطريق الواقعي لتحرير العمال والكادحين من تحت نفوذ تلك الافكار الخادمة للبرجوازية. ان نقد الحزب والمنظمات التي تسمى نفسها بالشيوعية والتي تتبنى هذه الاصلاحية المخادعة من زاوية مصالح الطبقة العاملة والتحررين والاشتراكيين، هي المهمة غير القابلة للتأجيل بالنسة لاي شيوعي وشيوعية ثورية مناضلة، وبالتالي فان رسم الخطوط الفاصلة مع هذه الانتهازية البرجوازية التي تعمل باسم الشيوعية والتي تجاوزت كل الحدود ومَدت اياديها الى ايادي تيارات الاسلام السياسي البرجوازي الحاكم بشكل مكشوف، بات طريقا لا يمكن تجنبه اذا اردنا ان نقوي الشيوعية الثورية في العراق.
ان هذه الانتهازية باسم الشيوعية تنشر سياسات وآفاق البرجوازية الصغيرة واوهامها في تحقيق “دولة مدنية” كهدف وغاية اعمالها بمعزل عن النضال الاشتراكي وبشكل منفصل عن تحقيق البديل الاشتراكي وتقوية الشيوعية والتيار الاشتراكي في المجتمع . من الواضح بان البرجوازية الاسلامية والقومية والبرجوازية النيو ليبرالية الحاكمة في العراق لا تريد العلمانية والمدنية ولا الحرية السياسية للمجتمع وذلك كي تسد الطريق على الطبقة العاملة والفئات الكادحة الاخرى ان تطور نضالها السياسي الاشتراكي والثوري.
ان حلم بناء العلمانية والمدنية و”الدولة الانسانية” وغيرها من المفاهيم والاهداف ليست الا اوهام وآفاق البرجوازية الصغيرة التي تتمنى ان تجد مكانا آمنا بين طاحونة الصراع الطبقي بين الطبقتين المتصارعتين البروليتاريا والبرجوازية التي لهما أفقين اقتصاديين متضادين، اي الراسمالية او الاشتراكية. ان التيار الاصلاحي المساوم باسم الشيوعية يريد نشر هذا الوهم البرجوازي الصغير ويسد الطريق امام نضال البروليتاريا الاشتراكي.
كما، ان النضال ضد التيارات السياسية والاحزاب والمنظمات التي تدعي الشيوعية لفظا وتظهر نفسها بمظهر شيوعي راديكالي صوري يكمن في صلب عمل اي مبادرة لتقوية الشيوعية في العراق. ان هذه التيارات والاحزاب والمنظمات ضمن الطيف الواسع للشيوعية والاشتراكية الراديكالية بعيدة كل البعد، من حيث موقعها الاجتماعي والقضايا السياسية التي تركز جهودها عليها واسلوب العمل الذي تمارسه، عن الطبقة العاملة والجماهير البروليتارية، وهي لا تستخدم النقد الثوري الماركسي في تبني سياساتها وتكتيكاتها بالرغم من كل ادعائاتها الراديكالية الصورية واللفضية وتمسكها بالشيوعية وبماركس. ليس هذا فحسب، بل انها مُتموضعة في المحيط السياسي البرجوازي وتياراته واحزابه المختلفة وغارقة في التعامل مع القضايا التي تريد الاحزاب البرجوازية القومية والليبرالية – القومية ان تجر جماهير الطبقة العاملة والكادحين اليها. هذه الشيوعية الاشتراكية اللفظية ستبقى موضوعيا في اطار المطالبة بـ “العلمانية” و”المدنية” وتحقيق آفاق البرجوازية الصغيرة السياسية والعمل الدعائي لها بدون تجاوزها وبدون العمل وفق مبدأ ربط تحقيق العلمانية والمدنية بتطور الاشتراكية والحركة الشيوعية وليس احلالهما محل الاشتراكية.
اخيرا النقد الشيوعي يجب ان يتجه لكسر قلع الحلقية الضيقة للمثقفين في الحركة الشيوعية وذلك لفتح الافاق الرحبة لتطورالحركة الشيوعية. ان تيار وحلقات المثقفين المهتمين بالعمل التثقيفي ونشر الوعي الماركسي والشيوعي داخل اوساط جماهير البروليتاريا والشبيبة العاملة والمعطلة عن العمل في “اسفل” الهرم الاجتماعي، تقدم في الحقيقة خدمة جلية للجيل الصاعد من الشباب في اوساط البروليتاريا والبرجوازية الصغيرة وبالاخص في كوردستان. ان أعمال هذه الحركة محل تقدير اي انسان شيوعي مناضل وبالاخص قيامهم بترجمة الكتب والادبيات الاشتراكية والماركسية ونشر الماركسية في اوساط الشبيبة.
غيران تحويل هذه الخدمات الاشتراكية الجلية التي يقدمونها للحركة الشوعية لا تبرر تجسيد روح الحلقية الضيقة للمثقفين ونشر اوهام ضارة بصدد عدم التحزب الشيوعي والدعوة الى عزل انفسهم عن الحركة العمالية التحررية. ان هذه الحلقات الموجودة بحاجة الى ان تتطور سياسيا وحزبيا وتنخرط بالنضال البروليتاري الجاري في المجتمع وبحاجة الى ان تكون طرفا في تطور السياسة البروليتارية والتكتيك السياسي الشيوعي والعمل الحزبي المنظم على صعيد المجتمع. ان عدم اقدام هذه الحلقات، لاي سبب كان، على تقوية المنظمات البروليتارية الماركسية وعدم طرحها لاستراتيجية وخطة تنظيمية وسياسية لتقوية الحركة الشيوعية هو موضوع يخصهم، ولكن نشر نظرية عدم التحزب الشيوعي في اوساط الحركة البروليتارية والشبيبة المتطلعة الى الادب الماركسي والعمل الشيوعي ليس سوى نشر اوهام البرجوازية الصغيرة تحت يافطة الشيوعية وماركس وبذريعة الانتشار في قاعدة الهرم الاجتماعي وغيرها من المقولات .
ان بناء حزب اجتماعي شيوعي معاصرو ثوري ركن اساس لتطوير الحركة الشيوعية في العراق بمثابة حركة اجتماعية للطبقة العاملة وجماهير الكادحين والمحرومين، وهو ضرورة تاريخية كذلك لتقوية اية حركة مجالسية بروليتارية وتقوية المبادرات الجماهيرية الثورية في الظروف الثورية القادمة لتنظيم نفسها واخذ زمام امور البلاد السياسية بايديها لبناء الاشتراكية. ان الحركة الشيوعية والتحزب الشيوعي جزء من هذه الدينامكية الطبقية والمجالسية العمالية والتي لا يمكن ان يكون اي حزبٍ حزباً شيوعيا حقا عندما يكون خارج اطارها.
سؤال: من المعلوم، وانتم اكدتم عليه كذلك في هذا الحوار، بان تشكيل منظمة البديل الشيوعي في العراق جاء بعد حدوث تطورات داخل الحزب الشيوعي العمالي العراقي. هل بالامكان ان توضح اكثر للقراء ما حدث بهذا الخصوص ؟
مؤيد احمد: ان تشكيل منظمة البديل الشيوعي في العراق جاء بعد حدوث تطورات داخل الحزب الشيوعي العمالي العراقي وهذا معلوم لدى من تابع عملية تشكيل هذه المنظمة. الامر الجدير بالتوضيح هنا هو ان هذا الربط، بطبيعة الحال، يعطي شكلا معينا لعملية تأسيس منظمة البديل الشيوعي في العراق ويطبع الانفصال الذي حصل بطابع خاص. غير ان ذلك ليس بامر جوهري لان تاسيس منظمة البديل الشيوعي في العراق شئ نوعي آخر وعملية نوعية اخرى تختلف عن الانفصال وعملية تبلوره. على سبيل المثال، من الممكن ان يستقيل شخص او مجموعة من الاعضاء عن حزب او منظمة ما ولكن يختارون التخلي عن العمل السياسي الذي كانوا يقومون به داخلها ويقررون الجلوس، ان جاز التعبير، في بيوتهم، او من الممكن ان يقوم شخص آخر او مجموعة آخرى بنفس عملية الانشقاق او الاستقالات ولكنهم يقررون ان يغيروا منهجهم “الشيوعي”، بالنسبة لمن ترك الاحزاب الشيوعية، ويتبنون توجهات آخرى غير شيوعية. وهكذا تزداد الامثلة والاحتمالات وبدون الوصول الى ايجاد صلة جوهرية متماسكة بين العمل داخل الحزب القديم والعمل الجديد او “عدم العمل” الجديد.
ما اريد التركيز عليه هو ان محاور سياسات ومنهج منظمة البديل الشيوعي وممارساتها هو الاساس لتعريف هذه المنظمة الجديدة وليس كون الكثير من رفاقها المؤسسين استقالوا من الحزب الشيوعي العمالي العراقي ام لا. لقد اكدت على ان تأسيس منظمة البديل الشيوعي في العراق هو تجسيد نقد سياسي وفكري لاوضاع الحركة الشيوعية في العراق ويشمل هذا النقد كذلك واقع الحزب الشيوعي العمالي العراقي. غير اننا لسنا هنا بصدد تفاصيل هذا النقد بل بصدد توضيح علاقة تاسيس منظمة البديل الشيوعي بانفصال او استقالات جمع من الرفاق.
هناك اشكال متعددة ومتنوعة للانشقاقات والتطورات التي تؤدي الى الانفصال عن الاحزاب والمنظمات في الحركة الشيوعية والاشتراكية على مر التاريخ حيث يعطي شكلا خاصا لكل تحول او انشقاق على حدة. من قرأ تاريخ الصراع والانشقاق داخل الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي الروسي، في العقدين الاولين من القرن الماضي، وظهور البلشفية والمنشفية نتيجة ذلك الانشقاق يرى بوضوح الشكل الخاص الذي تحقق فيه الانشقاق. يضاف الى ذلك يرى كيفية تطور الصراع وتبلور التمايز بين خطين وافقين سياسيين مختلفين، بعد حوالي سنتين، بالارتباط مع ثورة 1905 الروسية، وذلك من خلال طرح تكتيكين سياسيين مختلفين تجاه تلك الثورة. هذا، في حين تجسم انشقاقهم بعد المؤتمر الثاني بسبب الصراع على عدد افراد هيئة تحرير جريدة ايسكرا حيث دافع لينين عن ان تكون الهيئة مؤلفة من 3 اشخاص والمناشفة اصروا على ان تكون الهيئة من 5 اشخاص. اي ان الانشقاق حدث لسبب لم يعتبره الكثيرون حتى من معاصريهم في الحركة الاشتراكية في ذلك الوقت امرا سياسيا كافيا لحدوث انشقاق بذلك الحجم. تجدر الاشارة هنا الى ان الاختلاف حول صيغة لينين للعضوية وصيغة مارتوف لعضوية الحزب لم تؤدي الى الانشقاق بل مهدت الارضية له.
على اية حال، لعملية تاسيس منظمة البديل الشيوعي في العراق خصوصية معينة وتاريخ خاص، حيث انه لم يظهر اعتباطا وبشكل مفاجئ، انما تبلور في مسار تاريخ نضالي شيوعي فعلي وتاريخ واقعي لمناضلين شيوعيين استمر قسم منهم بنضالهم الشيوعي داخل الحزب الشيوعي العمالي العراقي وقسم آخر خارجه. كما وان قسما آخر من الرفاق والرفيقات مناضلين شيوعيين شباب وشابات بدأوا يصنعون التاريخ المعاصر للشيوعية بالارتباط مع نضال هذه المنظمة في الوقت الحاضر.
هناك وثائق حول اسباب استقالات الرفاق الذين تركوا الحزب الشوعي العمالي العراقي ليس هناك داع لتكرارها هنا. مع الاستقالات انتهى تاريخ العمل المنظم الحزبي في اطار الحزب الشيوعي العمالي العراقي ومع تاسيس منظمة البديل الشيوعي في العراق تبدأ مرحلة اخرى نوعية من تاريخ النضال الشيوعي بالنسبة لهؤلاء الرفاق و الرفاق الاخرين الذين كانوا خارج هذا الحزب ولكل من ينظّم نضاله الشيوعي في هذا الاطار التنظيمي الجديد.
سؤال: لقد ركز البيان التأسيسي للمنظمة على دور المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية وأكد على ان احدى الأسباب التي أدت الى تراجع الحركة الاشتراكية واليسار عموما هو ضعف دور المرأة والحركة النسوية التحررية . بديهي بأن كل ما تنادون به وتتبنوه كخط فكري وسياسي للمراحل اللاحقة من النضال النسوي يأخذ معناه الواقعي خلال الفعل والانفعال والممارسة داخل المجتمع وفي صفوف الطبقة العاملة على وجه التحديد ، ما هي آليات تقوية هذا النضال الحالي الجاري في المجتمع ما هي الخطوات العملية الأولية التي ترونها تحقق تلك الأهداف التي ناديتم بها في البيان التأسيسي للمنظمة وما السبيل لجعل المرأة تشارك وتنخرط في هذا النضال الاشتراكي وتأخذ دورها الحقيقي فيه؟
مؤيد احمد: اود التركيز في الرد على سؤالك على مسألتين. اولا، العلاقة المتبادلة بين الحركة النسوية التحررية والحركة الاشتراكية والشيوعية، وثانيا، نضال المراة في العراق والمنطقة للتحرر من الاضطهاد الذي فرضته عليها تيارات الاسلام السياسي والقوميين-الاسلاميين والضغط الاجتماعي والاقتصادي والعلاقات الذكورية والعشائرية التي تستعبدها ويعاد انتاجها بشكل او باخر بدعم سلطة هذه التيارات الرجعية.
فيما يخص النقطة الاولى، نحن نرى ان نضال المراة التحرري والقضاء النهائي على التمييز الذي يمارس ضدها مرتبط بشكل مباشر وعضوي بتطور النضال الاشتراكي والحركة الشيوعية في المجتمعات الراسمالية المعاصرة من ضمنها العراق والقضاء على علاقات الانتاج الرأسمالية. اي، نحن نرى بان هناك علاقة متبادلة وعضوية بين النضال الاشتراكي والنضال النسوي التحرري وليست هناك علاقة متناقضة بين النضالين ،كما يدعي خصوم الشيوعية، من الاحزاب والتيارات البرجوازية الفكرية والسياسية المتنوعة، وبعض تيارات الحركة النسوية الواقعة تحت تاثير دعايات هذه الاحزاب والتيارات البرجوازية وبالاخص الليبرالية ومدافعي البرجوازية الامبريالية العالمية المتنوعة.
ان مساعي هذه التيارات البرجوازية وبعض الاطراف في الحركة النسوية المتأثرة بهذه التيارات لخلق الاستقطاب والتناحر بين قضية تحرر المراة ومساواتها وبين الاشتراكية والنضال الاشتراكي التحرري لا تستند على التحليل العلمي للواقع المعاصر انما تنطلق من الدوافع السياسية البرجوازية الرجعية. ان هذه التيارت البرجوازية والاطراف في الحركة النسوية المتاثرة بها تتذرع في مساعيها هذه بمختلف التبريرات من ضمنها التجرية المرّة التي عانت منها المراة والمناضلة الشيوعية داخل قسم كبير من الاحزاب التي تسمى بالشيوعية، اي الاحزاب الشيوعية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، من تهميش قضايا المراة التحرري فيها. وهم يستنتجون على اساس هذه التجربة تعميم مخادع مفاده عدم تطابق الحركة الاشتراكية مع متطلبات الحركة النسوية التحررية. غير ان ذلك وهم ، لان هذا التعميم المخادع مبني على المشاهدات وتجربة ممارسات تلك الاحزاب التي تسمي نفسها بالشيوعية وغير مبني على اساس البحث العلمي مستخدما المنهج المادي التاريخي لتبيان حقائق واقع الحياة المعاصرة وواقع اضطهاد وقمع المراة الحالي فيها وصلة ذلك بالراسمالية والانظمة السياسية التي تحمي الراسمالية، بالاخص في منطقة الشرق الاوسط، وبالتالي استنتاج العلاقة الواقعية الحية المعاصرة بين النضال التحرري النسوي والنضال الشيوعي.
ان هذا التعميم المخادع والاستنتاج الخاطئ، وكما اشرت اليه، تغذيها التيارات البرجوازية المعادية للشيوعية وهو يتنافي من حيث الأساس مع واقع الحياة في ظل النظام الراسمالي واشكال تجسم الظلم والاضطهاد على المرأة داخل هذا النظام. يضاف الى ذلك انها تنفي الصلة الوثيقة الموجودة، عمليا وعلى الارض، في المجتمعات المعاصرة بين النضال الطبقي البروليتاري ضد هذا النظام والنضال النسوي التحرري فيه وتجلياتهما في اطوار مختلفة من مسيرة التطور الفعلي لهذين النضالين. ان النضال البروليتاري الطبقي ضد مجمل النظام الراسمالي لا يمكنه ان يتوج بالانتصار بدون انتصار ثورة الطبقة العاملة الاجتماعية، اي ثورة طبقة اجتماعية تُقدم على اسقاط راس المال والنظام الراسمالي، في مسارها الفعلي، وان هذه الثورة محصلة نضالات كل المضطهدين باتجاه واحد، اي انها مجموع نضال كل من يعاني من التمييز والفقر والتهميش ومجموع كل نضال ثوري يخوضه الانسان المضطهد في المجتمع الراسمالي بما فيها نضال المراة التحرري.
فيما يخص النقطة الثانية، فان اضطهاد المراة يشكل ركنا اساسيا من اركان سلطة تيارات الاسلام السياسي والقوميين- الاسلاميين وركنا اساسيا من اركان العلاقات العشائرية والقبيلة وقيم التخلف والخرافات في العراق ومنطقة الشرق الاوسط . ان الحفاظ على النظام الراسمالي المعاصر في العراق والمنطقة يتأمن بالاساس عن طريق تحكم تيارات الاسلام السياسي الشيعي والسني بمقاليد الحكم واحتكار سلطة الدولة بايديها. لذا، يشكل اضطهاد المرأة، بطبيعة الحال، عنصرا اساسيا من عناصر ادامة النظام الراسمالي في هذه البلدان.
حَولت الكثير من الاحزاب والمنظمات الاشتراكية غير العمالية واليسارية نضال المراة ضد الاضطهاد الذي يمارس ضدها الى مجرد احدى مقومات الحركة الجماهيرية المعارضة لتغيير النظام السياسي والدكتاتورية التي تمارسها قوى الاسلام السياسي والقوميين الاسلاميين في بلدان مختلفة. غير ان هذا مجرد قطع نصف المسيرة بالنسبة للنضال النسوي التحرري والتي تريد هذه الاحزاب والمنظمات ان توقفه عند حدها. الواقع هو ان هذه الاحزاب والمنظمات لا تهدف الى التقدم بنضال المراة التحرري الى غايتها المنطقية المتمثلة بتحررالمراة النهائي والذي لا يتحقق الا بالسير بالنضال الى ابعد من حدود انهاء الدكتاتورية والنظام الاسلامي والقومي -الاسلامي القمعي اي لا يتحقق الا بتقوية النضال الاشتراكي للخلاص من علاقات الانتاج الراسمالي التي ترتبط اضطهاد المراة بها في عهدنا بشكل وثيق.
هناك علاقة وثيقة بين اضطهاد المراة ومستلزمات الحفاظ على النظام الراسمالي في العراق والمنطقة اي المستلزمات التي تم تامينها عن طريق سيطرة تيارات الاسلام السياسي والقوميين الاسلاميين واخذ زمام الاموربايديهم وبسط العسكرتارية وحكم الميلشيات وارهاب الدولة. ان حصرالنضال النسوي التحرري في اطار تحقيق التحولات السياسية الشكلية، واستخدامه من قبل الاحزاب الاشتراكية غير البروليتارية واليسار التقليدي والراديكالي كاحدى مقومات تقوية النضال الجماهيري ضد الدكتاتورية وسلطة الاسلام السياسي والقوميين- الاسلاميين وايقافها في اطار تحقيق نظام سياسي علماني ومدني بدون التقدم به الى ابعد من ذلك، ليس الا دفاعا ناقصا ومبتورا عن تحرر المراة. بمعنى آخر، ان عدم التقدم بالنضال النسوي التحرري الى غايته المنطقية، من قبل أي كان، اشتراكي او نسوي راديكالي، وعدم توطيد صلة النضال النسوي التحرري بالنضال التحرري الاجتماعي والسياسي للبرولتياريا، رجالاً ونساءً، من اجل اسقاط النظام الراسمالي وعلاقات الانتاج البضاعي، سيبقى دفاعه عن تحرر المراة دفاعا مبتورا وناقصا ويتعارض موضوعيا مع مسار النضال النسوي التحرري في عهدنا الحاضر.
سؤال: بعد صدور البيان التأسيسي كان الموقف من الشيوعية العمالية التي وضع أسسها الرفيق الراحل منصور حكمت هي احدى المسائل التي شغلت بال اليسار في العراق والمنطقة، ان المنطلق والركيزة الأساسية لمنهجكم هو منهج ماركس والبيان الشيوعي، كما يؤكد البيان، وهو نفس المنطلق الذي بُنيَ عليه منهج الشيوعية العمالية. هل هناك من موقف معين إزاء هذه المسألة؟ أم إنكم تمسكون العصا من الوسط ، إن صح التعبيىر، كما يدعي خصومكم ؟ أم ان تركيزكم هو على تبني نهج فكري سياسي عملي يدفع باتجاه تأسيس حزب شيوعي قادر على النهوض بمتطلبات نضال العمال الطبقي صوب تحقيق المجتمع الاشتراكي ومن ثم الشيوعي وكل من يتبنى تحقيق هذا الهدف تعتبرونه شريكا لكم في النضال؟
مؤيد احمد: كما ذكرت أنت، نحن نؤكد على منهج ماركس والبيان الشيوعي، وهذا مصدر خلاف جوهري بيننا وبين الكثير من التيارات والاحزاب والمنظمات التي تدعي نفسها اشتراكية وشيوعية ظاهريا ولكن تنفي عمليا تبني منهج ماركس الانتقادي والبيان الشيوعي. المسألة بالنسة لنا ليست تبني النص والايديولوجيا بشكل دوغمائي “شبه مذهبي” واهمال ما حصل من التغيرات منذ زمن ماركس ولحد الان، في واقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات وفي القوى المنتجة والتطورات في التكنولوجيا والاتصالات وغيرها، او اهمال التغيرات الحاصلة في اشكال وجود الطبقة العاملة المعاصرة والفئات المحيطة بها من الكادحين والمهمشين وفي واقع نضالاتهم . الامر الجوهري هو ارتباط منهج ماركس والبيان الشيوعي بنقد واقع النظام الراسمالي المعاصر وقوانين حركته وكون هذا المنهج والنظرية الثورية هي الوحيدة التي تعطي دليل عمل لنضال البروليتاريا المعاصرة والشيوعيين الثوريين لتغيير الواقع الحالي والسير لبناء مجتمع تسوده الحرية والمساواة.
كون “الشيوعية العمالية” تعود الى ماركس وهذه العودة هي منهجها، مثلما تؤكد عليه في سؤالك، يؤكد على عنصر مشترك بيننا وبينها وليس التمايز. نحن لا نقول شيئا عكس ذلك بهذا الصدد، وليس لنا موقفا مغايرا تجاه هذه المسالة، بالعكس نحن نرى انفسنا مشتركين مع ايا من كان يؤكد على العودة لماركس ويتبنى منهجه. مع أخذ ذلك بنظر الاعتبار، فنحن لسنا مخالفين لموقف “الشيوعية العمالية” من العودة الى ماركس وبالتالي ليس لدينا موقف وسطي ولا “مسك العصا من الوسط” حول هذا الموضوع.
ان محاور نظرات وسياسات منظمة البديل الشيوعي في العراق مدونة في البيان التاسيسي وهذا هو، ان جاز التعبير، برنامجنا المصغر الذي نعمل في اطاره الان. ان هذه المنظمة، منظمة سياسية ماركسية، أي تنظيم سياسي شيوعي ثوري مستقل، متمايز عن التنظيمات التي تعتبر نفسها، باي شكل كان، ادامة لخط “الشيوعية العمالية” ومنصور حكمت في العراق والمنطقة. ان منظمة البديل الشيوعي في العراق وسيلة نضالية سياسية للبروليتاريا الاشتراكية بامكان من يقتنع بخط “الشيوعية العمالية” ان يعمل في اطارها مثلما بامكان من له انتقادات بوجه هذا الخط، من وجهة نظر ماركسية، ان يعمل في اطارها، طالما يجمعهما النضال السياسي المشترك في اطار هذه المنظمة والبرنامج الاجتماعي الشيوعي المدون خطوطه الرئيسة في بيانها التأسيسي وهذا ينطبق، على سبيل المثال، على من يتنبى التروتسكية او ما شابهها. من الضروري الاشارة هنا الى انه من الواضح لا مكان في منظمة البديل الشيوعي لمن يعارض برنامجها وافقها السياسي والفكري مثل الاصلاحيين المساومين مع البرجوازية او اليسارين من اوساط يسار الحركات القومية و”الوطنية”وغيرهم.
تناولنا في الفقرة 9 من محاور سياساتنا في البيان التأسيسي لمنظمة البديل الشيوعي في العراق تعريف خطنا الفكري والسياسي كمنظمة داخل الحركة الشيوعية بوجه التيارات الاجتماعية والسياسية البرجوازية التي تعمل تحت اسم الشيوعية والاشتراكية حيث اكدنا على خطنا الفاصل بيننا وبين الشيوعية والاشتراكية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة. في هذا الاطار اكدنا على تبني ما تم تحقيقه من التمايز وفصل الخط من قبل التيارات الماركسية على مر العقود السابقة مع هذه الشيوعية والاشتراكية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة واكدنا على الدور الخاص للرفيق منصور حكمت في تحقيق هذه المكتسبات الماركسية.
لعب منصور حكمت، باعتقادي، دورا رئيسا في تجسيد هذا النقد الماركسي بوجه التيارات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، وبالاخص تيار اليسار الشعبوي، الذي كان يعمل باسم الشيوعية والماركسية في خضم الاوضاع الثورية في ايران، اي بعيد ثورة 1979. لقد انجز هذا النقد بالارتباط مع قضايا ومعضلات تطوير هذه الثورة والدفاع عنها وتحقيق مهامها الملقاة عليها تاريخيا وانجازها كثورة تحدث في مجتمع راسمالي. هو اكد على انه لا يمكن دفع الثورة الى الامام والانتصار بدون تجسيد مصالح البروليتاريا الثورية وتطبيق استقلاليتها الطبقية والسير صوب تحقيق الاشتراكية. ان مجموع تلك الابحاث المسماة بـ “الماركسية الثورية” باتت جزءً من مكتسبات الحركة الماركسية المعاصرة ولعبت دورا كبيرا في تطوير الماركسية في العراق في الثمانينات من القرن الماضي.
بعد حصول تحول آخر في واقع الحركة “الشيوعية” العالمية، وبالاخص اثناء انهيار معكسر الشيوعية البرجوازية اي الشيوعية الرسمية المتمثلة بالكتلة الشرقية والاتحاد السوفيتي، تم تجسيد نقد آخر من خلال سلسلة من الابحاث لعب منصور حكمت كذلك دوراً رئيسياً فيها حيث تم ارساء منهج فكري وسياسي انتقادي ابعد من “الماركسية الثورية”، او بالاحرى انتقادا لها في نواحي عدة، والذي سمي بـ “الشيوعية العمالية”. ان “الشيوعية العمالية”، اكدت ضمن ما اكدت، على ان الحركة الشيوعية ليست مجرد حركة سياسية وتيارفكري انما هي قبل ذلك حركة اجتماعية وتيار سياسي وفكري داخل الطبقة العاملة ومن هنا اتى مفهوم “الشيوعية العمالية “، وتمت الاجابة ضمن هذا المنهج ودراسة تجربة انهيار الاتحاد السوفيتي على كون الشيوعية الرسمية التي انهارت في الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية لم تكن غير شيوعية برجوازية وشيوعية الحركات الاجتماعية البرجوازية القومية والصناعية وغيرها. لست هنا بصدد تفاصيل هذا الخط ولكن اود القول بان هذه الاستنتجات باتت جزءً من مكتسبات الحركة الشيوعية حيث أغنت مع تطبيقها في نقد الحركات الاسلامية والقومية والديمقراطية البرجوازية وحرب امريكا على العراق 1991 وفي نقد مفهوم القومية والحركة القومية بوصفها حركة برجوازية وغيرها. باختصار، ان ابحاث “الشيوعية العمالية” باتت مكتسبات للحركة الماركسية المعاصرة بالامكان الاستفادة منها في نضالاتها الطبقية في الوقت الراهن وبالاخص ضد التيارات البرجوازية المختلفة الاسلامية والقومية الاصلاحية وغيرها.
مع قول كل ذلك، فأن كل افكار وسياسات “الشيوعية العمالية “ومنصور حكمت ليست محل قبول. ان افكاره بصدد “الحزب والسلطة السياسية” لا تزال محل جدل جدي في الحركة الشيوعية، وان دفاعه عن حرب امريكا على افغانستان يثير الجدل، هذا عدى تكتيكات سياسية اخرى وسياسات حول كيفية تاسيس الحزب الشيوعي العمالي العراقي سنة 1993، بالرغم من ذلك فان الماركسي الثوري يستفيد عادة من كل مكتسبات الحركة الشيوعية ويستخدمها لخدمة تقوية الحركة الشيوعية المعاصرة. ان اوضاع العالم والمنطقة متغيرة من نواحي عديدة، وان نوع المعضلات والمسائل التي تواجه الحركة الماركسية باتت متمايزة عن السابق. ان تجسيد الجمود العقائدي، مثلما يفعل الكثيرون ممن يتبعون خط “الشيوعية العمالية”، في الوقت الحاضر وتحويل “الشيوعية العمالية” الى مجموعة احكام جامدة غير قابلة للنقد والتطويرليست الا تبرير من قبل هؤلاء لحجب عجزهم عن مواجهة العهد الحالي ومعضلاته وتحدياته.
ان منظمة البديل الشيوعي في العراق تقدم على تطوير الماركسية واستخدامها الحي في نضالها مستفيدة من كل مكتسبات الحركة الشيوعية الثورية.
سؤال: كثرت ردات الفعل على تشكيل منظمة البديل الشيوعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومخالف وبالاخص من قبل بعض من أعضاء الحزب الشيوعي العمالي العراقي الذين ” يتهمونكم ” بزعزعة صفوف الحزب وشخصنة الصراعات داخله وردكم السلبي على ندائهم بعقد مؤتمر استثنائي لحل الخلافات التي يعتبرونها هم بأنها خلافات سطحية لا تتعدى قبول أو رفض هذا العضو القيادي أو ذاك ،وبالتالي أدت بكم الى ” الانشقاق ” عن صفوفه! السؤال هنا هو التالي: هل حقا هذا انشقاق؟ أم انفصال عن تاريخ الحزب المذكور؟ أم ماذا؟ وما هي الأسباب الحقيقية التي جعلتكم تتخذون هذا الموقف وفي هذا الظرف بالذات؟ ولماذا لم تقدموا على هذه الخطوة من قبل خصوصا وانكم كنتم على رأس الهرم داخل قيادة الحزب المذكور لفترة ليست بقصيرة ؟.
مؤيد احمد: نحن لم ننشق عن الحزب الشيوعي العمالي العراقي بالمعنى الدارج للكلمة ولم نكرر نمط الانشقاقات داخل الاحزاب وبالاخص داخل صفوف اليسار والاحزاب الاشتراكية حيث التشاجر على اسم الحزب او ممتلكاته او وسائله الاعلامية ..الخ. نحن أقدمنا على الاستقالة من الحزب الشيوعي العمالي العراقي ولم نَسر على طريق الانشقاقات التقليدية لاعتقادنا بان ذلك لم يكن يفيد الحركة الشيوعية والعمالية بشئ ولم يكن يتطابق مع اهدافنا ومنهجنا ودوافع خروجنا من الحزب.
ان الخروج من الحزب لا يعني الانقطاع عن تاريخ نضالي شيوعي طويل قضيناه داخل هذا الحزب، اي ليس انقطاعا عن تاريخنا النضالي الفعلي الذي خضناه في اطار شكل تنظيمي معين لان ذلك ببساطة كان تاريخنا وتاريخ نضالنا. غيرانه، مع الخروج من الحزب تنقطع الحلقة التنظيمية، بالنسبة للرفاق الذين استقالوا من الحزب، تلك الحلقة التي كانت تربط نضالنا الشيوعي، فلم يعد هذا التاريخ يستمر في الاطار القديم بل في اطار جديد ألا وهو منظمة البديل الشيوعي في العراق. على اية حال ، ان هذه العملية ليست عملية تنظيمية صرفة، ليست هي عملية ابدال شكل تنظمي معين باخر انما هي عملية الخروج من الحزب بوصفه كيان سياسي -تنظيمي وايجاد وسيلة نضالية أخرى وكيان سياسي -تنظيمي آخر ذو برنامج وسياسات ومنهج وآليات عمل واسلوب عمل خاص به ..الخ . وهذا ما نعيش لحظاته الان .
ان الاحداث وخاصة الانشقاقات والتطورات التي تحدث، كما حدثت في البلنوم 33 للجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي، ليست وليدة اللحظة، انما هي احداث جرت وتجري حسب منطقها الخاص، وهو تاريخ فعلي جارٍ بكل معنى الكلمة بتناقضاته وتضاداته واشكال ظهوره وحتى توقيت زمن حدوثه. لا يمكننا ان نصنع التاريخ من لاشئ، وان نخلق الاحداث وفق مشيئتنا. ان ما حدث لم يكن غير تراكم تاريخ طويل من الصراعات السياسية بين خطين سياسين ونمطين من اسلوب عمل ونمطين من قيادة وادراة التنظيم، بالرغم من عدم التعبير عن نفسها بشكل واضح وصريح الا في بعض المنعطفات في مسيرة هذا الصراع.
بداية هذا الصراع يعودالى فترة تاسيس الحزب الشيوعي العمالي العراقي سنة 1993 حينما كان الرفيق منصور حكمت حيا وهو الذي طرح مشروع تاسيس هذا الحزب. لقد كان هناك توجه بين لقسمٍ منا، حيث اكدنا في بدايات تاسيس الحزب على الحفاظ على مكتسبات ونمط عمل منظمة “التيار الشيوعي” على صعيد المجتمع واخذه بنظر الاعتبار في تاسيس الحزب وكان الدافع لهذا التوجه هو ما تمتعت به هذه المنظمة الشيوعية من اعتبار على صعيد المجتمع. ان جميع منظمات تلك الفترة كانت متبنية لخط الشيوعية العمالية ومكانة منصور حكمت المعنوية كانت محل قبول الجميع بمن فيهم نحن وقيادة وكوادر منظمة “التيار الشيوعي”. لقد استطاع “التيار الشيوعي” ان يشكل منظمة شيوعية قوية، الى حد ما، ويقدم ابحاث ومسائل نظرية وسياسية فيما يتعلق بالتحولات التي جرت في تلك الفترة في كوردستان العراق ويقدم لائحة سياسية اسمها “مهاماتنا العاجلة… “حدد فيها المهام للشيوعين في العراق اثناء التحولات، وبالاخص في كردستان،امتازت بدقة وبطرح عملي ملموس حيث حول كوادر التيار الشيوعي هذه المسائل الى المجتمع وحولوا “التيار الشيوعي” الى منظمة معتبرة ومعروفة على صعيد كوردستان .
مع تاسيس الحزب لم ينقل هذا التقليد النضالي وهذا النوع من المنظمة الشيوعية الناجحة المتمثلة بـ “التيار الشيوعي” الى جسد الحزب، بل بدء يحل محله نمط آخر من العمل واستطيع القول بأن خط سياسي واسلوب عمل آخر حل مكانه ولكن في عملية تدريجية جرت باشكال مختلفة وعلى مستويات عدة وكل ذلك باسم الحزب والتحزب. رافق تاسيس الحزب تعايش هذين النمطين وبالتالي وجود خطين سياسيين بشكل جنيني يمثلهما الرفاق من الخطين في القيادة وعلى مستوى الكوادر. هذا وجرى تبادل مواقع الافراد حيث بعض من قادة التيار الشيوعي اصبحوا بحكم موقعهم الجديد في هيكلية الحزب ضمن أعدادٍ من الاشداء في محاربة كل ما هو متعلق بتقليد “التيار الشيوعي”. ان المحفلية باتت اسم الرمز لدى من لهم مصلحة في ذلك داخل الحزب لوصف كل ما هو متعلق ب “التيار الشيوعي” . ليس غريبا بالنسبة لمن عاش تلك الفترة ان يسمع صدى ما كان يستخدم ضد الرفاق في التيار الشيوعي في 1993 ان يسمعها من جديد تتردد من قبل نفس اعضاء اللجنة المركزية الحالية للحزب بوجهنا وبوجه من استقال من الحزب .
هكذا ومنذ بدايات تاسيس الحزب كان هناك صراع حول كيفية تاسيس الحزب بداية سنة 1993 ومن ثم الخلاف حول التعامل مع اعتراضات كوادر واعضاء الحزب في كوردستان والمعروف باسم الفراكسيون سنة 1996 ومن ثم المواقف المختلفة تجاه الفراكسيون الذي تشكل انذاك وهذا كله يجري داخل اطار الحزب وليس معلنا للمجتمع، ومن ثم الصراع العلني حول الموقف من التطورات والانشقاق داخل اتحاد المجالس والنقابات العمالية في العراق سنة 2007 وبعده الصراع حول مؤتمر حرية العراق وموقعه في استراتيجية الحزب في البلنوم 19 للجنة المركزية للحزب وما بعده. وجود الخلاف واستمراره لحد الان حول تعريف النظام السياسي في العراق كدولة برجوازية اسلامية وقومية ام كسلطات برجوازية ميليشية اسلامية وقومية والاختلاف في التكيتك السياسي المتباين الذي يستنتج من كل مفهوم وتعريف على حدة. ومن ثم طرح مؤيد احمد مع بعض من الرفاق لتشكيل فراكسيون في بلنوم 27 سنة 2012 وتخليه عن ذلك بطلب من اللجنة المركزية واخذ وظيفة سكرتير اللجنة المركزية لايجاد التغيير في وضع الحزب. الخلاف حول وحرب على الموصل ومن ثم الصراع حول الموقف من استفتاء كوردستان. الخلاف حول اتخاذ موقف متساو من كلا حزبي” الحكمتي” بعد انشقاقهما، ومن ثم الصراع على نمط الاجرءات التنظيمية بحق الرفيق فلاح علوان اثر كتاباته، واخيرا الصراع على سحب العضوية من الرفيق المذكور. الخلاف المستمر حول دعم اعمال منظمة حرية المراة او عدم دعمها وحتى مساعي لتشكيل منظمة بديلة من قبل بعض من قادة الحزب.
ان هذه السلسلة من الصراعات والخلافات لم تتوقف لحظة داخل الحزب. فمن يقول بانه لم يكن هناك صراع ولم يكن هناك خطين سياسين ونمطين من القيادة واسلوب العمل انما يحجب الحقائق عن أعين الناس و بالاخص الشيوعين و المتابعين لما حدث . ليس بالأمر الحاسم فيما اذا كان هذين الخطين قد عبرا عن نفسيهما بشكل متكامل وعلني على صعيد المجتمع ام لا، الاهم هو ان تاريخ هذا الصراع وتطوراته اللاحقة هو الذي ادى الى ما توصلنا اليه الان، اي حدوث انشقاق على شكل الاستقالات والفصل الذي تجسم في منظمة اخرى وهي منظمة البديل الشيوعي، ففي ارشيف الحزب الشيوعي العمالي العراقي ما يكفي من المراسلات داخل قيادة الحزب كي تبين بجلاء ملامح هذين الخطين وان تكن بشكلها الجنيني.
لقد عاش قسم منا لحظات وتاريخ هذه الصراعات طوال ربع قرن. من يروج لتفسير ما حدث بكوننا محفليين انما يروج لافلاسه السياسي ولمحفليته الخاصة قبل إلصاقه بالاخرين ويروج لسياسة خط معين تربّع على قيادة هذا الحزب لمدة ربع قرن وشكل احد اهم اسباب اعاقة تطور الحزب الى حزب اجتماعي مؤثر ومقتدر.
فيما يتعلق بي كسكرتير اللجنة المركزية ، وكوني أقدم استقالتي وانا سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي، لا يوضح شيئا كثيرا، اذ ان الانشقاق والاستقالات تحدث عادة عندما ياخذ احد ما مسؤلية معينة. ان القبول باستلام الوظيفة لا يختلف كثيراعن الاستقالة عن الوظيفة،، اذا ما وضعنا المحتوى جانبا، اذ انهما يحدثان على الدوام . ولكن لماذا استقالتي في هذا البلنوم فان ذلك امر مرتبط بتطور الصراع داخل الحزب والوصول الى نقطة اللاعودة في البلنوم 33.
14 اكتوبر 2018