تأليف : المؤرخ الماركسي الین هوت (Allen Hutt)
١٩٤١-١٩٤٢/ لندن
ترجمة من الانكليزية :ثریا طاهر
الحقبة الاولى
الفصل الاول
الاتحادات كـ(مدارس للحرب “١٨٠٠-١٨٥٠”)
كانت الطبقة العاملة البريطانية، كما قال ماركس، “الأبناء الأوائل للصناعة العصرية “، لذلك كانت بطبيعة الحال رائدة في العمل النقابي ،اي تنظيم للنضال الاقتصادي للطبقة الجديدة، العمال، في مواجهة الطبقة الجديدة الاخرى اصحاب العمل، الراسماليين، و ضد المنافسة بين “الكل ضد الكل الذي يحكم المجتمع المدني المعاصر” كما يصفه فريدرك إنجلز في مؤلفه (اوضاع الطبقة العاملة في انكلترا ) . و هنا تكمن الأهمية الاجتماعية لتشكيل النقابات و لقيادة الإضرابات ضد ضآلة الاجور، طول ساعات العمل و ظروف العمل المقيتة التي اتصفت بها المرحلة الاولى من نظام المصنع. يقول إنجلز وهو يراقب هذه الأشياء عن قرب و هي في قمة ازدهارها:
“ما يمنح هذه الاتحادات و الإضرابات التي تنبثق منها أهمية حقيقية، هو انها تجسد المحاولات الاولى للعمال لإنهاء المنافسة، انها تعني الاعتراف بحقيقة كون ما يشكل اساس السيادة البرجوازية هو منافسة العمال فيما بينهم. و بما ان النقابات تتوجه نحو إصابة العصب الحيوي للنظام الاجتماعي الحالي، رغم انه يحصل من جانب واحد و على مدى ضيق، مع ذلك تشكل خطراً على النظام الاجتماعي.” فريدريك إنجلز – اوضاع الطبقة العاملة في انكلترا ص ٢١٨-٢١٩” .
ان محاولات إنهاء المنافسة بين العمال كانت مدونة بوضوح ضمن أهداف النقابات البدائية. اداء اليمين (الذي كان بمثابة عقد بين العامل و النقابة) و الذي شرعته (جمعية الصداقة لمناجم الفحم ) في عام ١٨٣١تضمن ما يلي: “سوف لن اقدم على تعليم اي شخص فن تعدين الفحم الا للأخ او الإخوة الملزمين او لشخص مبتدىء … سوف لن أقوم بأي عمل إضافي اكثر من قدرتي و مقابل اجر واحد … سوف لن أقوم قط و بسلوك متباهي بالإعلان عن مقدار النقود التي اكسب او عن قصر الوقت الذي أكسبه فيه .”قاعدة رقم ٤٢ لـ(النقابة العامة الموحدة الکبری ) لعام ١٨٣٤ تقول: “کل عضو منتمي لهذا الاتحاد ملزم بأن يبذل ما بوسعه كي يحث أصدقاءه على ان يلتحق بالاخوّة، كي لا يبقى اي عامل خارج الاتحاد ليُباع في سوق العمل بسعر بخس”.
بدأت النقابات بامتداد جذورها منذ حلول نهايات القرن الثامن عشر على شكل نوادي محلية حرفية و كانت تجتمع في المقاهي العامة. انتشرت هذه النوادي على نطاق واسع بين الحرفيين “الأرستقراطية”، الصناع اليدويين المهرة الذين لم تتأثر طريقتهم في العمل و ظروف عملهم عملياً بالثورة الصناعية، كالمؤلفين، صناع البراميل، النجارين، صناع الخزائن، نجاري السفن، صناع الورق .. و هكذا. و لكن منذ عام ١٧٩٢ بدأت النوادي بالانتشار بين اهم القطاعات من العمال في الصناعة الجديدة و هو مغازل القطن في لانكشير. لقد هيأ هذا التهديد الكامن لأصحاب العمل الرأسماليين الصاعدين، إضافة الى الذعر الذي احدثته الثورة الفرنسية بين الطبقة الحاكمة، المناخ لتشريع القانون سيّء الصيت (قانون التجمع “Combination Act”) على عجل من خلال البرلمان. اُصدر هذا القانون في تموز عام ١٧٩٩ في انكلترا و نص على منع التجمعات العمالية (غير القانونية) و حظر النقابات و الاتحادات العمالية. أُلغي القانون في ١٨٢٤ تحت ضغط النضالات العمالية.
قام بتهيئة القانون كل من رجل الدولة المشهور وليم پييت، و المتظاهر بالمحرر للعبيد ويلبر فورس بمساعدة المعاصر والعضو في حزب المحافظين جون أندرسون. ستبقى هذه القوانين، و حسب رأي المؤرخين، “تطاولاً و ضغطاً مفرطاً من قبل الدولة لأجبار طبقة على الخضوع بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ إنكلترا”. بموجبه منحت الدولة سلطة غير محدودة لرب العمل كي يخفض الاجور و يجعل شروط العمل اكثر شدةً و قساوة، و هكذا وضِع اساس الصناعة الجديدة على العمل العبودي و الأجر المنخفض. كان القانون شنيعاً بالتحديد في مسألة حظر النقابات، و كانت فقرة منه تُخضِع المدعى عليه ليشهد ضد نفسه و ضد رفاقه. رغم انه كان يُدّعى بأن القانون يشمل ارباب العمل أيضاً، ولكن كان هذا فقط اسمياً لاننا لم نشهد تسجيل ولو حالة واحدة تثبت تطبيقه عليهم في وقت وضعوا الآلاف من العمال في السجون جراء تنفيذە.
كتب الاصلاحي فرنسيس پلَيس قائلاً: هل بالإمكان الحصول على تقرير دقيق؟. ان فظاعة الظلم و قذارة الاهانات و العقوبات الرهيبة التى مورِست سوف لن يُصَدّق بها بعد مرور سنوات قليلة الا في حالة وجود دلائل. كان الحكم الذي اُصدر بحق المؤلفين في جريدة التايمز عام ١٨١٠ من قبل “مجلس جلادي لندن” السيد جون و سيلڤستر المسمى ب “جاك الدموي الاسود” ، كان حكماً وحشياً غير قابلاً للتصديق … هذا ما حرّك پلَيس كي يُكرّس نفسه ليضمن إلغاء القانون. رغم ان صناعات الغزل والنسيج الجديدة كانت تقع عليها الثقل الأكبر للقانون، الا ان نوادي الحرفين على وجه الخصوص في لندن كانت تحت ضغط القانون أيضاً.
اثناء فترة الربع قرن هذه من حكم الاٍرهاب ضد النقابات، ولدت النقابات حقيقياً. ان اتحاداً على مدى أوسع و تضامناً عالمياً اكبر بدأٓ بالحلول محل محدودية الرؤية لدى النادي الحرفي المحلي . مدفوعة الى العمل السري، تحولت الاتحادات بالضرورة الى جماعات تآمرية تربط أعضاءها بحلف اليمين، تنظم احتفالات قبول الأعضاء و تُمارس طقوس مجتمع سرّي . قامت هذه النقابات غير القانونية و رغم وجود طابور خامس من جواسيس البوليس المندسين من قبل وزارة الداخلية بين صفوفها ، بتنفيذ سلسلة من الإضرابات الموسعة في الصناعات الجديدة ، (كانت الإضرابات في حينها تُسمى بـ “الحضور” من قبل العامة). كان الابرز بين هذه الإضرابات: إضراب النساجين السكوتلنديين في عام ١٨١٢، إضراب المغازل في لانكشير في عام ١٨١٨، عمال المناجم في الساحل الشمالي – الشرقي في عام ١٨١٠، في إسكتلندا عام ١٨١٨، جنوب ويلز عام ١٨١٦؛ و اخيراً إضراب عمال الحديد الذي كان موفقاً في افشال محاولة لتخفيض الاجور. ان اتباع طريقة “الأخوّة” بين عمال المناجم للساحل الشمالي – الشرقي، التي سميت بالاخوة لان أعضاء النقابة قيدوا أنفسهم بيمين مهيب لاطاعة أوامر الجماعة او بعكسه المعاقبة بالطعن بالسكين في القلب او بتمزيق احشاءهم، مثال جيد عن هذه التجمعات العمالية البدائية.
ان التقدم الذي حصل في حركة الاتحادات خلال هذه السنوات الصعاب تَجسّد في انبثاق أولى النقابات العامة الكاملة (مثل نقابة عمال الطباعة -كاليكو پرنترز، نقابة عمال صناعة الورق، نقابة عمال الحديد آيرون فاوندرز التي تشكلت في عام ١٨٠٩ و اندمجت لاحقاً مع النقابة العامة لعمال سبك المعادن). جدير بالذكر بأن التنظيم العمومي للتضامن اثناء الإضرابات لصناعة محددة (مثلاً صناعة الحبال) كان يعمل مع نظراءه في الصناعات المختلفة الاخرى. التقارير الموجودة تظهر كيف كانت هذه النقابات المُقاوِمة تساعد بعضها دون انقطاع بالتبرع المادي للإضراب؛ و حتى المحاولات البارعة لفرنسيس پلَيس لإلغاء قانون التجمع في ١٨٢٤-١٨٢٥ لم تكن بأمكانها ان تنجح دون التحريض الواسع الذي قاده المندوبون المنتخبون ممثلوا مختلف الاتحادات في لندن، گلاسگو، مانچستر و أماكن اخرى. كان سكرتير اتحاد نجاري السفن جون گاست “المفعم بالحيوية “من ديبتفورد أيضاً يقود مندوبي النقابات في لندن التي كانت ذات أهمية كبيرة.
ان إلغاء قانون التجمع “المتحيّز و الاستبدادي” لم يعني منح النقابات حرية كاملة ومطلقة، لكنه كان كافياً لفتح بوابة السد. كتبت جريدة من شيفيلد تقول بأن العمال أدركتهم “رغبة عارمة للتوجه نحو مجتمعات النقابات”. تشكلت نقابات عامة لازالت باقية الى هذا اليوم، مثل نقابة صناع المكائن البخارية التي تشكلت في عام ١٨٢٤ و الاتحاد العام للنجارين في عام ١٨٢٧. ثم اجتاحت البلد عاصفة من الإضرابات، شارك فيها الحرفيون و عمال المصانع على حد سواء. تورط نجاروا السفن و صناع البراميل في لندن على غرار عمال القطن في گلاسگو و عمال مشط الصوف في برادفورد في اصطدامات مستعصية مع ارباب العمل. كما و هزت لانكشير اضرابات متكررة لعمال مغازل القطن و عمال المناجم في عام ١٨٢٦ لمقاومة تخفيض الاجور الذي قام اصحاب العمل بفرضه عليهم نتيجة وقوع الركود الحاد الذي أتبعَ الانهيار التجاري الحاصل في العام السابق.
كانت تلك الايام عاصفة و الإضرابات خصوصاً في مناجم الفحم كانت بمثابة حروب أهلية صغيرة تُخمَد بمختلف أشكال العنف. كانت مدينة دورهام في هياج عظيم في ١٨٣١-١٨٣٢. خطّطت القوات البحرية و جنود الفروسية لكسر النقابة و الإضراب الذي قاده القائد العمالي الاسطورى تومي هيپبورن. كما جاءت القوات لنجدة كبار ارباب العمل لقطاع الحديد في عام ١٨٣١في ويلز، حيث قامت بضرب جميع أعضاء نادي الاتحاد الذي كان التنظيم الصلب الاول لعمال المناجم و الحديد. “دِك پيندرين” الذي كان شخصية أسطورية اخرى، يقود هذا الإضراب، مات پيندرين شنقاً لقيادته الجريئة لهذه النقابات الويلزية في معركة التمرد حاملين السلاح ضد قامعيهم. عندما أدت عملية قمع نادي الاتحاد الى استحالة ممارسة النشاط النقابي العلني في حينه، برزت مجموعة سرية عنيفة أطلقت على نفسها اسم (الماشیة الأسکتلندیة )، استخدمت رأس ثور بقرنين كرمز.
لم يكن هذا النموذج الوحيد لطغيان و ارهاب ارباب العمل الراسماليين الذي دفع النقابيين الى اللجوء الى استخدام العنف في مواجهتهم. عملية قيام اتحاد عمال مغازل القطن في گلاسگو (الذي تشكل سراً عام ١٨١٦) بالتخطيط لحرق الطواحين و قتل كاسري الإضرابات الذين كانوا يسمونهم بـ”الارجل السوداء”، كُشِفت في المحكمة المشهورة لـ(توماس هونت) و اربع أشخاص اخرين من قادة النقابات عام ١٨٣٨. يقول بياتريس ويب في كتابه “تاريخ الحركة النقابية ” : (بان الطبقة العاملة الانكليزية وقفت بصف واحد لمساندة توماس هونت و رفاقه الأربعة و حُكم السبع سنوات في المنفى وُجه بسخط و غضب كبيرين من قبل العمال خاصةً في دورچستر).” طبعة ١٩٢٠ ص١٧٠”
اثناء إضراب عمال صناعة الطابوق في مانشستر عام ١٨٤٣ اقتحم المضربون معملاً للطابوق وهم مسلحون ببنادق قديمة و خاضوا معركة ضارية ضد جيوش مسلحة تابعة لأرباب العمل، رغم تعرضهم لنيران ثقيلة من قبل عدوٍ محصن بشكل جيد، لم يتراجع المضربون الا بعد ان انتهوا من تحطيم المصنع كاملة و استنفذت ذخيرتهم ثم ساروا باتجاه اييكلس، بلدة صغيرة على بعد ثلاثة اميال من مانشستر، حاملين بنادقهم رغم ان العديد منهم أصابوا بجروح.
كان من السخف الحديث عن “شَر” الحقد الطبقي بالنسبة للنقابيين الروّاد. يقول فريدريك إنجلز في (اوضاع الطبقة العاملة في انكلترا، ص٢٢٦): “كانت كراهية الاستبداد السائد المفروض من قبل الطبقات الحاكمة تتوهّج في تقارير النقابات في ذلك الوقت”. علماً بان هذه الكراهية لم تكن حقد غريزي اعمى. كان هناك ادراك سائد، يُقال بأن “في مجتمعنا الحالي بأمكان العامل ان ينقذ رجولته فقط من خلال كُره البرجوازي و التمرد عليه ، وكانت الاتحادات تساهم بشكل كبير في تغذية الكراهية المُرّة التي يحملها العمال ضد طبقة اصحاب الاملاك” ،ص٢١٢. كتب عن هذه الكراهية مناضل معاصر في رسالة الى العدد الصادر في آب عام ١٨٣٤ للصحيفة العمالية الرئيسية في ذلك الوقت (“The poor man’s Guardian “)يقول : الفائدة العظيمة للإضراب هي دوره في ازدياد العداء بين العمال و الرأسماليين و إجبار العمال على التفكير و البحث عن اسباب معاناتهم … و حصاد هذا التفكير قد يكون أعمالاً عدوانية عنيفة ضد طبقة الرأسماليين، اما هذه فَتُنتج تحولات جديدة تضع الجهود التحررية للعمال في أماكن اخرى من إنكلترا في المؤخرة.
” ان الإضرابات هي المدرسة العسكرية للعمال، فيها يهيئون أنفسهم للمعركة العظيمة التى لا يمكن تجنبها… كمدارس للحرب لا شيء يفوق النقابات قيمة، اذ فيها تتطور الشجاعة المتميزة للإنكليز.الإضراب بحاجة الى شجاعة، بل و بدرجة أعلى و جرأة اكبر و اصرار أشد مما هو ضروري عند الانتفاضة… تحديداً في هذه المثابرة الهادئة، في هذا العزم الثابت الذي يتعرض لمئة اختبار كل يوم، تُطوِّر الطبقة العاملة الانكليزية ذلك الجانب من شخصيتها التي تتطلب القدر الأكبر من الاحترام. الانسان الذي يتحمل كل هذا الشقاء ليكسر بورجوازي واحد سيتمكن من كسر قوة البرجوازيين جميعاً . إنجلز – (اوضاع الطبقة العاملة في انكلترا. ص ٢٢٤).
كان الدرس الاول الذي علّمته “المدارس الحربية” للطبقة العاملة هو كيفية تنظيم الاتحادات الفردية لتعمل في مجموعات، لكن هذا لم يكن درساً كافياً. فالمجموعات البعيدة المنعزلة من الطبقة العاملة كانت بحاجة الى ان تتشكَّل في جيش واحد موحد. اي كان يجب ان تتسع الدائرة لتتخطى العامل المنتمي الى الاتحاد لتصل الى الاتحاد نفسه ثم الى اتحادات عمال صناعة واحدة و الى اتحادات عمال صناعات عديدة او كافة الصناعات … السباقون في تعلٰم هذا الدرس كانوا عمال معامل الغزل و النسيج و ذلك نتيجة تكرار فشل الأضرابات المقطعية رغم وجود اصرار عظيم عند إنجازها. اثر نشوء إضرابات عامي ١٨١٨ و ١٨٢٦ في مغازل نسيج لانكشير بدأت محاولات لتأسيس تنظيم أوسع، دون نتيجة ثابتة. الا ان المحاولة الثانية، و رغم وجود قانون منع التجمع، نجحت في جمع مندوبين لاربعة عشرة اتحاداً من مختلف النقابات في مانشستر ليشكٰلوا الاتحاد العام للنقابات او التجمع الخيري (من المحتمل ان هذا الاسم الاخير و البديل الرسمي “هرقل الخيري” كان غطاءً قانونياً)، من ضمن قواعده: “لا يجوز لأية نقابة بان تنظم إضراباً دون ان تُعلم النقابات الاخرى و تحصل على موافقتها”. اصبح للاتحاد فرع في لندن، على الرغم من وجوده العابر و المؤقت، و كان جون گاست رئيسه.
المحاولة الثالثة لتوحيد الاتحادات العمالية تبعت الإضراب الطويل و المرير لعمال الغزل في آشتون و هايد في عام ١٨٣٠ و سجّلت خطوة هامة الى الأمام. في تلك السنة تأسست (الجمعیة العامة لحمایة العامل)، یقودها جون دوهیرتي من لانكشير و الذي كان مناضلاً نقابياً مميزاً ومنظِّماً و كاتباً موهوباً؛ لعب دوراً فعالاً في تشكيل التنظيم العام لعمال مغازل القطن في عام ١٨٢٩(الاتحاد العام الکبیر للمملکة المتحدة )و ذلك في مؤتمر المندوبين في جزيرة آيل اوف مان – الذي أُعلن عنه بشكل مُدهش و كان الحضور فيه واسعاً. كان هدف الجمعية هو تنظيم مقاومة موحدة لمواجهة قطع الاجور. انظمّت خلال مدة قصيرة مائة و خمسون فرعاً نقابياً الى الجمعية، بشكل رئيسي من عمال النسيج في لانكشير و ميدلاندس؛ الصناع اليدويون – ميكانيك، عمال المناجم، الخزّافون و مندوبون من فروع الصناعة الاخرى. وصل عدد المنتسبون الى مائة الف عضو. رغم ان الجمعية أرعبت الطبقة الحاكمة (عندما استقال وزير الداخلية، روبرت پييل، ترك مهمة تحطيم الجمعية كأرث رئيسي لمن خلّفه) الا انها في الحقيقة كانت اتحاداً هشاً بأموالٍ قليلة و وسائل دفاع محدودة. الاتحاد الذي لم يدم سوى سنتين كان يمثل إنجازاً كبيراً، و كانت هناك إنجازات اكبر تلوح في الافق.
كان البلد في ذلك الوقت يعيش مخاض أزمة الإصلاحات البرلمانية التي أوصلته الى حافة حرب أهلية قبل ان تنتهي باقرار قانون الإصلاح لسنة ١٨٣٢. النقابيون ذوي الرؤية الثاقبة لم يكن لديهم وَهمٌ حول التحالف بين العمال و الطبقة الوسطى التي كسبت الإصلاح. (كتب فرنسيس پلَيس بأنه سمع من جون دوهيرتي قولاً بأن مشروع قانون الاصلاح لا يعود للعمال بفائدة، و يجب عليهم ان يُجبروا الحكومة على القيام بما هو صحيح). كان، مع ذلك، الإصلاح البرلماني بالنسبة للاغلبية بمثابة دواء لكل داء. هكذا تشكّل الأتحاد العام للعاملين في عام ١٨٣١في لندن سُمي (نقابات المتروپولیتان ) التي انضمت اليها اتحادات كثيرة اخرى، لكن سرعان ما اثبت قانون الاصلاح بان الرأسماليين الذين كان العمال يغدقون عليهم بالأرباح، ليسوا حلفاء وان المستفيد الوحيد من الاصلاح هي الطبقة الوسطى . كان للتحرر من وهم “السياسة عن طريق البرلمان” نتيجة هذا الوضع انعكاسات ثورية على النقابات.
كان حمى الاصلاح في قمتة حين قامت المؤسسة (نقابات المتروبوليتان) فوراً بالتوقيع على مذكرة جديدة لتشكيل اول اتحاد عام للصناعة تضمّنَ كافة فصول الحرفيين. سُمي بـ(إتحاد عمال البناء ) وصل عدد أعضاءه الى أربعين الف عضو بسرعة فائقة. قاد هذا الاتحاد فور تشكيله سلسلة من الإضرابات الحاسمة لا سيما في لندن و لانكشير و ذلك من اجل تحقيق أهدافه من (زيادة و تساوي قيمة قوة العمل) . بالمقابل قام ارباب العمل بمنع العمال من العمل او ما يسمى ب “Lockout”) و العمل بـ”الوثيقة” السيئة الصيت التي تشترط تبرؤ العمال من النقابات كشرط لتشغيلهم.
لم تكن هذه النشاطات مقتصرة على عمال البناء فقط، بل ارتفعت موجة من الإضرابات في الصناعات الاخرى؛ تحديداً عمال مغازل القطن كانوا يعملون على التخطيط لاضراب شامل من اجل (يوم العمل من ثمانية ساعات) بدءاً من الاول من آذار عام١٨٣٤. اثناء هذا الصعود دخل الاشتراكي الطوباوي العظيم “روبرت اووين” و أصدقاءه الى الساحة و انتشرت أحاديثهم عن نظام اجتماعي جديد بسرعة هائلة بين النقابات و كسبت تأييداً قوياً. شارك اووين في مؤتمرين حيويين للطبقة العاملة في خريف عام ١٨٣٣. كان المؤتمر الاول لاتحاد عمال البناء (او كما كان يسمى “برلمان عمال البناء”) الذي انعقد في مانشستر و حضره خمسمائة مندوب، ثم المؤتمر الثاني الذي كان في لندن في تشرين الاول من العام نفسه و اجتمع فيه مندوبوا النقابات و الجمعيات لمناقشة موضوع الدمج. ان تأكيد اووين على ضرورة ضمان الانتقال السلمي من الرأسمالية الى الأشتراكية عن طريق تحويل الاتحادات الى مجتمعات تعاونية منتجة، كان جديراً بأهتمام واسع في كلا المؤتمرين ، وبناءً عليه قرر عمال البناء تشكيل نقابة تعاونية منتجة، لكن رغم هذا كان واضحاً للعيان بأن النزعة السائدة كانت النزعة الثورية الاجتماعية.
كتب عن مؤتمر لندن جون موريسون، عامل البناء الشاب الذي درس الاشتراكية بنفسه و كان محرراً للجريدة الأسبوعية لاتحاد عمال البناء (The Pioneer)، “ان ازمات ظروفنا تخلقها أيادي فوق رؤوسنا والسِباق يشملنا جميعاً و ويل للذي يترك دوره. فالسؤال الذي علينا ان نحدد جوابه هو، هل العمل ام الرأسمال يجب ان يكون ارفع مكانةً؟”. كتبت الجريدة الأسبوعية ( The Poor man’s Guardian ) في ١٩ تشرين الأول عام ١٨٣٣: ان تقارير مندوبوا مؤتمر لندن تؤكد ” بأن من المتوقع ان يحصل تغيرٌ كامل ٌ في المجتمع – تغير يصل الى حد القلب التام للنظام الحالي في العالم – و سيحصل هذا على يد الطبقة العاملة. انهم يطمحون الى ان يكونوا في الاعلى بدلاً من أسفل المجتمع، او بالأحرى لا يريدون بان يكون هناك اعلى و أسفل في المجتمع إطلاقاً!”. ثم استمرت الجريدة بمقارنة هذا الهدف الثوري بـ”المواضيع التافهة” للنقابات السابقة، الذين “لم تكن غايتهم تحقيق اي تغير جذري و كذلك ميلهم الى تخليد النظام و تحسينه كي يكون قابلاً للتحمل”؛ و أشارت الى حدوث “تقدم صامت وسريع لتنظيم كبير عمومي يجسد القوة المادية للبلد”.
رجوع المندوبون من مؤتمر لندن الى مناطقهم حوّل الموجة العالية للحركة النقابية الى طوفان اجتاحت البلد من اقصاه الى اقصاه بشكل لم يسبق له مثيل . وصل عدد العمال المنظمين الى النقابات بسرعة الى قرابة ثمانمائة الف عامل، حسب ما جاء في جريدة روبرت اووين “الأزمة” . كان بيّناً بأن (التنظیم العمومي الکبیر )الذي تحدثت عنه جريدة العمال القى بضلاله قبل الوقت و اصبحت الضلال ذات فحوى خلال فترة وجيزة. اجتمع مندوبوا الاتحادات في شباط عام ١٨٣٤في لندن، بعد اجراء سلسلة من الاجتماعات المغلقة، اخيراً تم تشكيل (النقابة العامة الموحدة الکبری “Grand National Consolidated Trades Union-G.N.C.T.U”). كان أول و اعظم نموذج من (إتحاد کبیر واحد ) . تمّ صياغة هدف الاتحاد في قانونه رقم ٤٦ وكما يلي :
(رغم الان الاتحاد أونشيءَ كي يحقق ارتفاع الاجور للعمال ، او كي يمنع المزيد من الاستقطاعات من الاجور و يُقلل عدد ساعات العمل، الا ان هدفه النهائي هو تعريف الحقوق الاساسية للصناعة و للانسان، و ذلك عن طريق اعادة تنظيم الأشياء بطريقة مختلفة ، بمعنى ان تكون مسألة تحديد اتجاه العلاقات في المجتمع محصورةً في يد الأشخاص النافعين و ذوي الثقافة الواسعة.)
وصل عدد أعضاء الـ(G.N.C.T.U) الى نصف مليون عضو خلال فترة قصيرة جداً، وكان عدد المنضمّين في مختلف فروع الصناعة يُعدّ بالآلاف. تجربة قيام اثنان من المنظِمين بزيارة مدينة هول و تسجيلهما الف عضو في النقابة في مساء يوم واحد لم تكن نموذجاً غريباً؛ كل من كانوا ممتنعين عن التنظيم النقابي الى الآن ، أصبحوا اعضاءً ؛ انتظم عمال الزراعة بإعداد هائلة في المقاطعات الانكليزية و في سكوتلندا (سُجِّل حراثوا پيرثشير و جَزَّاروا دونديي كأتحادات). كما و انضمت أعداداً هائلة من النساء العاملات الى النقابة في ضواحي لندن ، كانت القاعدة رقم ١٠١٠ تؤكد بشكل خاص على ضرورة تأسيس مكاتب النساء العاملات في الصناعة. ثم التحق العمال غير اليدويين بالحشد الملتف حول النقابة، اذ أصدرت النقابة العامة نداءاًخاصاً للكَتَبة و الباعة و الحمالين و العمال الخدميين في قطاع الصناعة للانضمام اليها.
ما ان بدأت النقابة الكبرى برسم هيكلها المحدد حتى شاركت في موجة الإضرابات و الـ(Lockouts – وقف العمل)، التي اجتاحت إنكلترا كاملةً مطالبة برفع الأجور و تقليل ساعات العمل و حق الانضمام الى الاتحادات.
كان إضراب عمال الحياكة في ليستر، إضراب المهندسين، إضراب عمال الطباعة في شركة كاليكو، إضراب النجارين في گلاسگو وإضراب عمال البناء و الخياطين في لندن ، من ابرزها . تحوّل انتباه المجتمع كاملةً نحو قيام الف و خمسمائة شخص (اطفالاً ، نساءً و رجالاً ) في داربي بالإضراب لمدة طويلة و ذلك اعتراضاً على إجبارهم على التخلي عن النقابة. لقد انفجرت حركة مغازل القطن في اولدهام في انتفاضة شعبية استثنائية رائعة، اذ ضربت مظاهرات عاصفة كافة المصانع مطالبين بيوم عمل من ثمان ساعات، جدير بالذكر بان النساء قمن فيها بلعب دور بارز. طبيعياً لم تخلو المظاهرات من مواجهات عنيفة مع البوليس.
لقد اصابت هذه الاحداث الطبقة الحاكمة بالذعر، اذ رأت بأم عينيها بان دكتاتوريتها تقابلها السلطة الدكتاتورية للطبقة العاملة. كتب جيمس موريسن: ان السلطة المتصاعدة و الإدراك المتصاعد لدى النقابات، اِن نُظما بصورة صحيحة، سوف تجذبا الى دوامتهما جميع المصالح التجارية للبلد . وبهذا نستطيع ان نقول بان النقابة ستتحول ،بحكم الأهمية التي حققتها لنفسها، الى اكثر القوى دكتاتوريةً و نفوذاً في الهيكل السياسي الموجود.
ردّت السلطات بالمقابل بضربة قوية موجهة الى اضعف حلقات النقابة العامة (G.N.C.T.U)، وهم تنظيم عمال الزراعة. عندما قاما الأخوان جورج و جيمس لوڤليس من قرية تولپودل التابعة لدورسيت، حيث كانت الاوضاع سيئة للغاية، بالاتصال بالنقابة الكبرى معلنين تشكيل (جمعية الصداقة لعمال الزراعة) و عملا فوراً على ممارسة طقوس حلف اليمين، حوكم على الاخوين لوڤليس و اربعة آخرين بالابعاد (نفي) لمدة سبع سنوات بعد محاكمتهم بطريقة شنيعة و بذريعة صياغتهم لحلف غير قانوني.
هذه المحكمة الشهيرة لضحايا تولپودل، أنتجت فوراً حملة اعتراضية على صعيد البلد قادتها النقابة الكبرى و دُعِمت من قبل اتحادات مهمة في الشمال ، لم تكن بالأصل داخل إطارها، و كذلك نقابة عمال البناء التى أضربت عن العمل و التحقت بالمتظاهرين. ثم جُمع اكثر من ربع مليون توقيع على عريضة تطالب بإطلاق سراح رجال تولپودل و عند بلوغ حالة الاهتياج ذروتها أطلقت التظاهرة الضخمة الاولى للطبقة العاملة في لندن . على الرغم من الاستعدادات الهائلة للجيش و الشرطة تراوح عدد المتظاهرين بين ١٠٠ و ٢٠٠ الف ممثلين عن كافة المهن، و كانت كل نقابة ترفع ثلاثاً و ثلاثين شعاراً مختلفاً ، مرّت التظاهرة الى كوبنهاكن فيلد في منطقة كنگس كروز.
كانت النقابة العامة الكبرى (G.N.C.T.U) قادرة على ان تقود حملة اعتراضية عظيمة كهذه (التي أدت بالنهاية الى إطلاق سراح ضحايا تولپودل )بنجاح باهر، لكنها كانت عاجزة عن تنفيذ المهمات الإيجابية في القيادة كي تحقق “نوعاً آخر من التنظيم للاشياء”. انها كانت اول نموذج كبير لما نسميه اليوم بالسنديكالية . كان يُعتقد بان بأمكان النشاط النقابي وحده القضاء على الرأسمالية و ذلك باستخدام الإضراب العام او “العطلة الرسمية” كما كان يسمى في وقته، كسلاح سلمي و سلبي للمقاومة ؛ او كما وصفتها صحيفة الطبقة العاملة (گلاسگو ليبريتور) في الاول من شباط عام ١٨٣٤
” المؤامرة غير الفاعلة للفقراء على الاغنياء” . انطلاقاً من وجهة النظر هذه، واجهت إدارة النقابة الكبرى اقليمياً سيلاً من الخلافات كونها فشلت في ركوب الزوبعة و قيادة العاصفة. ليس هذا فحسب بل أصدرت الادارة وثيقة رسمية تستنكر فيها النزاعات في أماكن العمل و تمنع الإضراب ، ما رفضه عمال صناعة الاحذية في لندن و صوتوا لصالح الانفصال عن النقابة الكبرى و تأسيسهم لنقابة خاصة بهم. هكذا سياسة دفعت النقابة الكبرى بالضرورة نحو الانعزال و لم تستطيع الصمود اكثر من سنة اخرى.
لقد ترك مرور هذه الحركة النقابية الشاملة ذات أهداف ثورية أثراً ملحوظاً بالأخص في قطاع البناء علماً بان تنظيم شامل آخر للعمال غير الحرفيين لم يرى النور لقرابة نصف قرن.
اما المرحلة العظيمة الآتية من تطور نضال الطبقة العاملة، الحركة السياسية الثورية للچارتيين (١٨٣٧-١٨٤٨) ، لم تكن ذات طابع نقابوي رغم ان الكثير من النقابيين لعبوا فيها دوراً فاعلاً. قصة الصراع من اجل (میثاق الشعب ) تقع خارج مدار هذا البحث. جدير بالذكر بأن جيش الحركة الچارتية تكوّن من عمال المناجم و عمال مصانع الغزل و النسيج. ان الاغلبية الساحقة من أعضاء النقابات العائدة لهذين القطاعين فضّلت تحوّل إضراب لانكشير عام ١٨٤٢ الى انتفاضة سياسية، وفي الوقت نفسه كان الجارتيون منهمكين في اداء دور قيادي في تشكيل التنظيم العمومي الاول لـمناجم الفحم (جمعية عمال المناجم ) عام ١٨٤١. لكن الحركة الچارتية أخذت وقتا طويلاً لحل معضلة حياتية و هي قلع الجذور القوية و العميقة للنقابة في صفوفها. وصف القائد الچارتي فييرگوس اوكونور النقابيون بـ ” المهنيين المرفهين و الميكانيكيين الفخورين “.
كان إضراب عام ١٨٤٢ يمثل اعلى قمم الحركة الچارتية و احتفظت بهذه الوضعية حتى انفجارها النهائي في ١٨٤٨ عام الثورة في اوروبا. بعد ذلك ما حصل من تقدم في الحركة النقابية كان دوماً باتجاه التباعد المتزايد و المستمر عن هدف تحقيق اي تغير جذري . كان تطوير النقابات في أواسط الأربعينيات ذو أهمية عظمى أيضاً، اعلن اتحاد عمال المناجم في عام ١٨٤٤عن عدد أعضاءه الذي بلغ مئة الف عضو، تمكن من جمع عمال كافة حقول المناجم في حلقة واحدة و بتوظيفه المحامي الچارتي البارع (و.پ. روبرتس) ،استطاع ان يحارب طغيان المحاكم المحلية. كذلك حدث في العام نفسه إضراب عمال المناجم في مدينة دورهام الذي استمر خمسة أشهر و كان من اعظم نضالات عمال المناجم و اكبر عمل بطولي تشهده انكلترا حتى اليوم. واجه اصحاب الحقول العمال المضربين بأكثر الطرق قساوة و وحشيةً، طُرد من العمل جميع المضربين و كان عددهم أربعون الفاً “. هاجموا بيوت العمال و أخرجوا المرضى و كبار السن و الأطفال و حتى النساء اللواتي كن على وشك الإنجاب ، من فراشهم و رموهم في الشوارع . قام اللورد لوندونديري ،الذي كان مالكاً لمناجم الفحم و يتمتع بسلطة واسعة، بإصدار بيانه الرسمي السيّء الصيت يشجب فيه الإضراب بهذه الصيغة: “الصراع الاخرق لرجال الحُفَرْ ضد اسيادهم و مالكيهم”.
اثناء نفس الفترة الزمنية انتعش تنظيم الاتحادات و اصبح قوياً بين الخزّافين و في مغازل القطن في عام ١٨٤٣. اصبح المؤلفون منهمكين بدمج اتحاداتهم المحلية في “الجمعية العامة للعاملين في الطباعة ” في عام ١٨٤٥. كذلك تَشَكل تنظيم عمومي جديد في العام نفسه بأسم (الجمعية العامة للنقابات الموحدة ). كان موقف الاتحادات الكبرى متحفظاً من هذا التنظيم الجديد و اصبح مركزاً للم شمل الاتحادات الأصغر حجماً و الأقل تنظيماً . رغم انه كان للجمعية هيكل اتحادي متشدد لكنها تجنبت على وجه التحديد الأهداف الثورية للجمعية العامة الکبری ، و بدلاً عنها أكدت على “أهمية الفهم الجيد و المتبادل بين رب العمل و العامل و الأهداف المثمرة التي تنتجه هذه النزعة” . كان واضحاً بان النزعة “لم تكن قلب النظام بل إدامته و ذلك عن طريق جعله اكثر قابلاً للتحمل “. اي ما شجبته صحيفة العمال الأسبوعية قبل دزينة من السنوات اصبح متداولاً مرة اخرى .
نهاية الفصل الاول
تعليق واحد
تعقيبات: الحركة النقابية في بريطانيا، تاريخ موجز – منظمة البديل الشيوعي في العراق